الاختبارات الوراثية ... هل تحدّد أفضل الأدوية لك؟

نشر في 21-02-2017
آخر تحديث 21-02-2017 | 00:03
No Image Caption
ينطبق المثل القائل «إن كان أفضل من الخيال، فهو خيال» على مسائل كثيرة في حياتنا. لما كنت مديرة قسم علم الصيدلة الجيني السريري في مستشفى بوسطن للأطفال، فأمضيت جزءاً كبيراً من وقتي في مناقشة ما يعجز علم الصيدلة الجيني عن إخبارنا به. قد تتساءلون على الأرجح عن سبب تبني هذه المقاربة السلبية بدل المناداة بعجائب هذا العلم، لما كان هذا في النهاية عملي. ولكن كما هي الحال مع مسائل عدة، الجواب معقد.
يدرس علم الصيدلة الجيني التعبير الجيني المرتبط بالقدرة على امتصاص الأدوية أو تفكيكها. ويُعتبر المصطلح «التعبير الجيني» بالغ الأهمية لأننا نتحدث عن مدى تأثير جيناتنا في رد فعلنا تجاه الأدوية.

على غرار مخرج مسرحية أو فيلم، تعطي جيناتنا التوجيهات إلى أجزاء أخرى من جسمنا. وإحدى المسائل التي تتحكم فيها جيناتنا إنتاج الإنزيمات التي تؤثر في مدى فاعلية الدواء بالنسبة إلينا واحتمال مواجهتنا تأثيرات جانبية. تُدعى تركيبتك الجينية الفريدة النمط الجيني. ويخبرنا نمطك الجيني ما إذا كنت تنتج كمية أكبر أو أقل من الإنزيمات، مقارنة بالآخرين.

تساهم هذه الإنزيمات في تفكيك الأدوية إلى مواد يستطيع الجسم فرزها بسهولة. ولكن في بعض الحالات، تكون هذه المواد نشطة أو حتى مؤذية قبل فرزها. ويُعتبر هذا الواقع أحد الأسباب التي توضح لمَ لا يواجه البعض أي تأثير، في حين ينتهي المطاف بالبعض الآخر إلى المستشفى نتيجة ما يعانونه من تأثيرات جانبية حادة بسبب الداوء ذاته والجرعة عينها.

تؤثر عوامل عدة في علمية أيض الأدوية في جسمنا، من بينها السن، والجنس، والنظام الغذائي، والتدخين، والحمل، والاضطرابات الصحية الأخرى، والأهم من ذلك كله الأدوية الأخرى التي نتناولها (بما فيها الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية والمكملات الغذائية العشبية).

ألجأ عادةً إلى تشبيه الفطيرة كي أوضح تأثيرات الوراثة في عملية أيض الأدوية. في بعض الحالات، تشكّل الوراثة جزءاً كبيراً جداً من الفطيرة (نحو 90% بالنسبة إلى بعض الأدوية). ولكن في حالات أخرى، تمثل الوراثة قطعة صغيرة من الفطيرة مع تشكيل عوامل أخرى الأجزاء الأكبر.

أهمية علم الصيدلة الجيني

يكمن مفتاح نجاح علم الصيدلة الجيني في معرفة متى يجب إجراء الفحوص وكيفية تطبيق النتائج. ثمة حالات عدة تحوّل فيها الفحص الجيني قبل البدء بدواء إلى إجراء طبي معتمد اليوم.

عندما يكون التفاعل بين الأدوية والجينات واضحاً ومفهوماً، تساعدنا معرفة النمط الجيني قبل البدء بالعلاج في تفادي التأثيرات الجانبية الخطيرة. وأحد الأمثلة الأبرز على ذلك دواء يُستخدم لعلاج داء الأمعاء الالتهابي. إن سارت عملية أيضه ببطء، فقد تؤدي إلى حالة حادة من تثبيط جهاز المناعة، فضلاً عن أخماج تهدد الحياة.

في حالة أخرى، تحول معرفتنا أن المريض لن يتفاعل مع العلاج دون هدرنا وقتاً ثميناً وتحمي نوعية حياتنا، كما هي الحال مع بعض أدوية السرطان والتليف الكيسي. ولا شك في أن الهدف يبقى دوماً تقديم الدواء المناسب للمريض المناسب بغية الحصول على أكبر فائدة مع الحد الأدنى من التأثيرات الجانبية.

علاوة على ذلك، قد تقدّم فحوص علم الصيدلة الجيني معلومات مهمة وتساعد الأطباء والمرضى على اتخاذ قرارات أكثر أماناً عند اختيار الأدوية. لكن الترويج لفحوص علم الصيدلة الجيني مع حصر تطبيقاته بحالة مرضية واحدة أو ممارسات اختبارية مشكوك فيها يكون مسيئاً أكثر منه مفيداً.

يؤثر معظم الجينات في عملية أيض الجسم عدداً كبيراً من الأدوية لا نوعاً واحداً منها، وذلك بدرجات متفاوتة. ولا شك في أن التركيز على حالة واحدة، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، وتجاهلنا تأثير النمط الجيني في أنواع أخرى من الأدوية، مثل أدوية داء القلب، يؤدي إلى أذية المريض. كذلك، تسبب المبالغة في تحديد تأثير النمط الجيني في قدرة الشخص على امتصاص بعض الأدوية قلقاً كبيراً. أكّد مرضى كثيرون أنهم خافوا من تناول أي أدوية، رغم معرفتهم أن حالتهم لن تتحسن على الأرجح من دون علاج. نتيجة لذلك، نمضي مع كل زيارة وقتاً طويلاً في مناقشة ما لا يستطيع علم الصيدلة الجيني كشفه لننتقل بعد ذلك إلى تحديد ما إذا كانت فحوصه مناسبة. في حالة مَن واجهوا تاريخاً طويلاً من التأثيرات الجانبية الخطيرة الناجمة عن الأدوية أو عدم التفاعل معها، تساهم هذه الفحوص في توضيح ما حدث سابقاً، وتوجّه القرارات المستقبلية. في إحدى الحالات البارزة، أعربت مريضة عن شكر كبير لأن نتائج الفحوص أوضحت لمَ عانت أرقاً مضنياً أثناء تناولها الفليوكسيتين. أخبرتنا أن أطباءها السابقين أكّدوا لها أنها «تتخيل» هذه المشكلة، في حين أنها تعود فعلاً إلى عجز جسمها عن امتصاص هذا الدواء بالجرعات المعتادة. وفي حالات أخرى، أشارت الفحوص إلى ردود فعل تهدّد الحياة تجاه الأدوية المضادة للصرع، ما ساعد في تفاديها وتطوير نظام علاج أفضل بغية التحكم في النوبات.

صحيح أن علم الصيدلة الجيني ابتُكر قبل نحو مئة عام، إلا أننا ما زلنا في أول الطريق الذي يتيح لنا فهم هذه المعلومات واستخدامها بهدف تحسين حياة المرضى.

شهدنا تطورات كبيرة في المعرفة خلال السنوات العشر الماضية، ونتعلم أموراً جديدة كل يوم. لذلك يُعتبر الوقت اليوم مناسباً لدراسة علم الصيدلة الجيني.

back to top