هل تحمل المذنّبات براكين؟

نشر في 19-02-2017
آخر تحديث 19-02-2017 | 00:07
البراكين الجليدي
البراكين الجليدي
البراكين ليست موجودة على الأقمار والكواكب فحسب على الأرجح، بل أيضاً تطاول المذنبات. لاحظ الباحثون مذنباً يدور بين المريخ والمشتري يحمل إشارات خاصة إلى البركانية الجليدية، نافثاً مواد مجمّدة بدل الحمم الساخنة. ولكن عوض خروج المواد من تلة ثابتة واحدة، يتكرّر الثوران مرات عدة في موقع واحد قبل أن ينتقل إلى موقع آخر في القشرة الجليدية.
نظراً إلى دوران المذنب البطيء، تضعف قشرته خلال النهار، فيما يتراكم أحادي أكسيد الكربون على السطح ليلاً. وفي النهاية، ينفجر الضغط المتراكم تحت السطح. وبخلاف الانبعاثات التي يلاحظها العلماء على مذنبات أخرى، تخرج «الحمم» الباردة فجأة وبقوة من دون أية إشارات إلى عملية تراكم تدريجية.

يذكر ريتشارد مايلز، عالم متخصص في المذنبات من الجمعية الفلكية البريطانية قدّم هذه النتائج خلال لقاء قسم علوم الكواكب في باسادينا بكاليفورنيا: «إنه حدث مفاجئ». وعندما ينتهي الانفجار، يختفي فجأة من دون التراجع المعهود في الانبعاثات البركانية. يضيف: «ينتهي فجأة، ويختفي كل شيء. هذا ما نتوقعه من البراكين الجليدية».

لغز نشط

يُعتبر المذنب 29P / سشواسمان-واشمان الأكثر نشاطاً بين المذنبات كافة. بعيد اكتشافه عام 1927، بدأ لمعان المذنب بالتبدل جذرياً. صحيح أن مذنبات كثيرة تزداد لمعاناً فيما تقترب من الشمس، إلا أن 29P يدور في مدار دائري مثالي تقريباً، محافظاً على مسافة ثابتة تقريباً من هذا النجم. رغم مداره الثابت، يشهد هذا المذنب تبدلات مذهلة في لمعانه، ما يجعله المفضّل لدى علماء الفضاء الهواة أثناء مراقبتهم الأجرام السماوية.

درس مايلز وزملاؤه المذنب الصغير طوال أكثر من عقد، محددين 64 ثوراناً منه. قد يشهد هذا الجسم الجليدي نحو ثلاثة إلى أربعة ثورانات سنوياً، مع أن عدد ثوراناته يصل في سنوات محددة إلى سبعة أو ثمانية. وبتتبع مواقع الثورانات على سطح المذنب، لاحظ العلماء أن انبعاثات عدة أتت من المناطق ذاتها. صحيح أن بعضها عاود الظهور بعد بضعة أيام، إلا أن بعضها الآخر استغرق 20 سنة تقريباً، وفق بيانات المراقبة الباكرة. وهذا الظهور المتكرر دفع مايلز وفريقه إلى اعتبارها براكين جليدية. بخلاف البراكين العادية التي تنفث الحمم الذائبة، تطلق البراكين الجليدية غازات مجمدة تتحرك على غرار الحمم الساخنة.

تُعتبر البراكين الجليدية شائعة على الأقمار الجليدية في النظام الشمسي، بما فيها قمرَا المشتري أوروبا وغانيميد وقمر زحل تيتان. على نحو مماثل، تضم الكواكب الأقزام ينابيع مجلدة. كذلك يحمل بلوتو وسيريس خصائص يُرجح أنها براكين جليدية. لكن المذنب 29P لا يمتاز على الأرض بخصائص تشبه البراكين الجليدية. بدلاً من ذلك، يصف مايلز هذه الظاهرة بالنشاط البركاني المحتمل.

يذكر مايلز: «إذا ظهر مرة، لا يكون بركاناً». ينشط معظم المواقع مرتين إلى ثلاث مرات قبل أن يخمد.

ربما يعود النشاط الغريب هذا إلى دورة النهار/ الليل الطويلة على نحو استثنائي. بخلاف غالبية المذنبات التي تُقاس دوراتها بالساعات، تدوم دورة 29P ستين يوماً أرضياً. خلال ليل المذنب الطويل، تتجمع المواد على الأرجح في غرف تحت السطح. وعندما يبلغ المذنب نهاره الطويل، تتمدد الغازات وتثني السطح. وتساعد معدلات الضغط العالية الغاز على التفلت عبر السطح، منفجراً إلى الخارج على شكل ثوران بركاني. ولكن بدل الحمم الساخنة، تتدفق الغازات المجمدة من المذنب.

يذكر مايلز أن سلوك المواد المنبعثة يشبه إلى حد كبير شمع البرافين. يبقى الشمع طرياً مدة طويلة قبل أن يذوب أو يتحوّل إلى سائل. وينطبق الأمر عينه على الأرجح على المواد المنبعثة من تحت سطح المذنب. وتساهم المواد المحيطة بموضع الشق، الذي يخرج منه الثوران، في إقفاله. وهكذا تُضطر المواد المنبعثة إلى الانتظار إلى أن يعاود الضغط تحت السطح الارتفاع لينجح مجدداً في إضعاف السطح.

قد تسبب المواد الشبيهة بالشمع نشاطاً بركانياً آخر. بفضل نواة المذنب الضخمة التي تُعتبر الأكبر بين معظم المذنبات بعرضِ 40 كيلومتراً، يعاود أكبر جزء من المواد السقوط على السطح. وإذا حطت على أبار أخرى من المواد تحت الأرض، تُضعِف القشرة بما فيه الكفاية لتسمح لها بالانبعاث، مكونةً بركانها الخاص.

«عندما يحدث ثوران، من المتوقع أن نشهد انفجاراً لاحقاً أو عدداً من الانفجارات المتتالية»، وفق مايلز. من المفترض أن تبدو المواد الناجمة المتدفقة في الفضاء، مكونةً الذؤابة، مختلفة عن الفقاعات حول المذنبات الأخرى. يشير مايلز: «نلاحظ تلك القوقعة المتمددة». ويتابع موضحاً أن القوقعة المحيطة بالمذنب 67P / شوريوموف-جيراسيمنكو، الذي زارته بعثة روزيتا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية السنة الماضية، كانت أضعف بكثير ربما لأنها تكوّنت بوتيرة أقل عنفاً.

رغم نشاطه غير الاعتيادي، لم يحظَ المذنب 29P باهتمام كبير على كوكبنا أو في المراصد المنتشرة في الفضاء. ويأمل مايلز أن يبدّل هذا الواقع، فيما يواصل تسجيل انفجاراته الاستثنائية في محاولة لفهم الدورات الغريبة على هذا الجسم البعيد. يقول: «إنه لغز فعلاً».

البراكين الجليدية شائعة على الأقمار الجليدية في النظام الشمسي
back to top