أماندا ليندهاوت... رحلة في الظلام!

• خطفتها ميليشيا إسلامية صومالية 15 شهراً

نشر في 18-02-2017
آخر تحديث 18-02-2017 | 00:00
واجهت الكندية أماندا ليندهاوت أسوأ الفظائع خلال احتجازها لدى الإسلاميين الصوماليين. تروي تفاصيل تجربتها في كتابها المؤثر Une maison dans le ciel (بيت في السماء) الذي يحقّق أعلى المبيعات على الساحة الدولية.
تبدو ابتسامتها مشرقة اليوم وتوحي بأنها وجدت «بيتها السماوي» لكنها عادت عملياً من الجحيم! بعد تمضية 15 شهراً في قبضة ميليشيا إسلامية صومالية، بدت أماندا هزيلة وجائعة ومصابة بالأكزيما وكانت أسنانها مكسورة وتكثر علامات التعذيب والضرب والاغتصاب على جسمها، لكنها حافظت رغم ذلك على صلابتها بفضل الملاذ العقلي الذي لجأت إليه. كتبت أماندا: «في الداخل، في بيتي السماوي، شعرتُ بالأمان والحماية. هناك كانت الأصوات المرعبة تصمت ولا يبقَى إلا صوت واحد... صوت هادئ وقوي له طابع إلهي! كان يقول لي: «هل ترين؟ ستخرجين من هذا الوضع يا أماندا. وحده جسدك يعاني لكنك لستِ مجرّد جسد. بقيّة كيانك بخير!».

يعكس كتابها الذي صدر في كندا في عام 2014 صورتها، بمعنى أنه مباشر وصريح وبسيط.

مغامِرة

تنتمي أماندا في الأصل إلى الطبقة الشعبية الكندية ونشأت في عائلة بوهيمية وغريبة. رغم ظروف عائلتها المضطربة، سرعان ما وجدت طريقها، فادخرت بعض المال للانتقال إلى أميركا الجنوبية في عام 2002 ثم إلى جنوب شرق آسيا.

سمح لها السفر بأن تُكوّن شخصيتها وتترك وراءها الكآبة التي شعرت بها وسط عائلتها التي كانت مُحِبّة وسامّة في آن. اشترت أماندا آلة تصوير وتلقّت الدروس لتعلّم هذه المهنة وبدأت تعمل لحسابها الخاص. لتمويل أولى تقاريرها، عملت في الحانات وأمضت بضعة أشهر في أفغانستان ثم في العراق حيث عاشت أحياناً بأقل من 20 دولاراً يومياً. لا يعتبرها الصحافيون زميلة لهم بل يصفونها بـ«المغامِرة» كي لا يقولوا عنها غير مسؤولة! تعترف أماندا بدورها بأنها كانت أنانية لكنها لا تظن أنها تستحق الثمن الذي دفعته.

كانت الأنباء الآتية من إفريقيا كافة سيئة، ومع ذلك أرادت الذهاب إلى هناك، فاختارت التوجه إلى الصومال، ذلك البلد الذي غرق في الفوضى ودفع معظم الصحافيين إلى الهرب. كانت تنوي البقاء هناك طوال أربعة أسابيع، فاقترح عليها المصور الأسترالي نايجل برينان، الذي كان يبلغ 35 عاماً وكانت قابلته قبل سنتين في إثيوبيا، الانضمام إليها.

سلاح خطف

وصلا إلى مقديشو في أغسطس 2008 وتفاجآ بجو المدينة الهادئ. كان حراس الفندق حيث استقرا مسلّحين وكان يستحيل الخروج منه من دون مرافقة، لكن تجاهل نايجل وأماندا هذه المؤشرات.

يوم السبت 23 أغسطس، كانت أماندا تخطط لإجراء مقابلة مع طبيبة نسائية تهدّدها جماعة «الشباب» الجهادية الصومالية. مرّ الجزء الأول من الرحلة في منطقة تسيطر عليها القوى الحكومية بينما كان الجزء الثاني في قبضة الميليشيات. كانت السيارة عبرت الحاجز الذي يفصل بين المنطقتين للتو حين ظهرت سيارة كحلية وقف بقربها رجل مقنّع، فوجّه سلاحه نحو سيارتهما. أدركت أماندا سريعاً ما يحصل وأصابها الهلع. كانت تعلم أنهما سيختفيان في ذلك المكان المجهول. بعد عملية الخطف، بدأ جحيمهما الحقيقي! وافقا في البداية على اعتناق الإسلام وتعلّما بعض مبادئه الأساسية. كان يجب أن يقوما بكل ما يلزم للنجاة كما تقول أماندا.

اغتصاب

احتُجزا في المرحلة الأولى داخل الزنزانة نفسها لكنهما انفصلا فجأةً بعد ثمانية أسابيع. كانت أماندا تمشي بين ست وسبع ساعات في اليوم داخل غرفتها بينما فضّل نايجل ممارسة اليوغا. كانت تسمع ضحكات الحراس الذين كانوا يقلّدون حركاتها أحياناً.

طالب الخاطفون بمليوني دولار كفدية، وأقنع أحد المسلحين رجاله بأنهم لا يحصلون على المال لأن أماندا منعت أمها من دفعه. كان ذلك الرجل أول من اغتصبها. تبدّل كل شيء في نظر أماندا بعد تلك الجريمة. لاحقاً، تعرّضت للاغتصاب بشكل متكرر، حتى على يد الأشخاص الذين صادقتهم. كانت خيانة تلك الثقة كفيلة بزيادة معاناتها. وفي صباح أحد الأيام، تعرّضت لاغتصاب جماعي ونزف جسمها بعد تلك الحادثة طوال أسابيع متلاحقة.

إعدام مزيّف

لزيادة الضغوط في المفاوضات المرتبطة بالفدية، حضّر المسلّحون إعداماً مزيّفاً. حين شعرت أماندا بالسيف على عنقها، صرخت: «لا يمكنكم فعل ذلك! لم أنجب الأولاد بعد. أريد أن أنجب الأولاد!». للصمود وسط تلك الظروف والتفكير بالمستقبل، كان يجب أن تفصل روحها عن جسمها المُعنّف. ذهب خاطفوها إلى حدّ منعها من الكلام أو حتى الجلوس. كانت تضطر إلى الأكل والشرب وهي مستندة إلى مرفقها، ولم يكن يحق لها أن تشرب إلا من ماء الصنبور القذرة. لذا اضطرت إلى التنفس بطريقة مدروسة وكانت تركّز على التفاصيل الإيجابية ونجحت في النهاية في بناء «بيتها السماوي» الذي أصبح ملاذها المريح.

إجهاد ما بعد الصدمة

تعود أماندا منذ تحريرها قبل سبع سنوات إلى «بيتها السماوي» دوماً. كانت أول سنتين الأصعب عليها: «لم أستطع التكيّف مع حياتي. كان جسمي يذكّرني بما أريد نسيانه. كنت أشعر أحياناً بأثر الأغلال ويؤلمني كاحلاي وأجد صعوبة في المشي...».

لم تتحرر أماندا رغم إطلاق سراحها! كانت مصابة بإجهاد ما بعد الصدمة. اليوم تحرص على تقاسم تجربتها مع الألم ونضالها للصمود خلال المؤتمرات. في السنة الماضية، شاركت في أكثر من 80 مؤتمراً في 25 بلداً وأنشأت «مؤسسة الإغناء العالمي» لتأمين البرامج التعليمية في الصومال.

إدانة المذنبين

في 11 يونيو 2015، علمت أماندا، عشية عيد ميلادها، بتوقيف أحد سجّانها في مطار كندي، فشعرت بأن «الأرض تتزلزل تحت قدميها» واحتاجت إلى أشهر عدة كي توافق على تقديم شهادتها أمام المحكمة في أكتوبر 2017. لكنها تشعر بالسعادة اليوم لأن العدالة بدأت تتحقّق.

بعد إدانة المذنبين، تريد أن تسامح هؤلاء الرجال رغم صعوبة الموضوع. في بعض الأيام، تشعر بأن تلك المسامحة سهلة لأنها الطريقة الوحيدة لتجاوز الماضي. تريد أماندا أن تمضي قدماً بعدما اكتشفت قدرتها على النضال وقوتها الفائقة!

حافظت على صلابتها بفضل الملاذ العقلي الذي لجأت إليه

شعرت بالسيف على عنقها فصرخت: لم أنجب الأولاد بعد
back to top