ليس كل وزير رجل دولة

نشر في 15-02-2017
آخر تحديث 15-02-2017 | 00:14
No Image Caption
كثيرة هي المحطات والمنعطفات السلبية التي عاشتها البلاد عبر مسيرتها السياسية منذ الاستقلال والعمل بدستور 1962، وأهم تلك المحطات كان ذلك التحول الذي شهدته الحكومات المتعاقبة، لاسيما بعد حل مجلس 1976، حينما بدأ يتقلص عدد الوزراء الذين يمكن أن يقال عنهم إنهم رجال دولة وليسوا موظفين بدرجة وزراء.

وفي السنوات الأخيرة، تزايدت أعداد التشكيلات الوزارية، وصار متوسط عمر الحكومة دون السنتين، وبرزت ظاهرة سلبية في العمل الحكومي، حيث أصبح كل وزير يعمل لحماية نفسه وتحصين منصبه والإبقاء على حقيبته، ولم يعد العمل الحكومي عملاً تضامنياً ومؤسسياً، بل مرت علينا حالات كان بعض الوزراء يعملون فيها ويؤلبون ضد وزراء آخرين، وتجسدت هذه الحالات في ظاهرة الاستجوابات الموجهة وتلك المجيّرة لغير أهدافها المعلنة.

وقد أوصلتنا هذه الحالة إلى ما هو أسوأ منها، حتى أضحى بعض الوزراء يهابون أي تلويح باستجواب أو مساءلة، فباتوا، إيثاراً للسلامة، يلغون قرارات تخدم حاجات ضرورية للبلاد، أو يقرون إجراءات وقرارات تمثل في محصلتها عبئاً على الدولة وهدراً لثرواتها.

وأصبحت ظاهرة التوسع في خدمات النواب باباً لطمس الاستجوابات أو وأدها، وتلاشت ظاهرة الوزراء الذين يتمسكون بالقانون وبمصالح البلاد، ويدافعون عن قناعاتهم ويواجهون ويفندون، والذين يوضحون بجرأة رجال الدولة شخصانية الاستجواب وتجنيه دون خوف منهم أو رهبة من مبدأ المساءلة.

لقد غابت قيم ومبادئ رجال الدولة، وحضرت بديلاً عنها هواجس وطموحات كبار الموظفين، ولم تتمسك حكومات كثيرة بوزرائها الذين واجهوا وتحدَّوا، بل تخلت عنهم، ولنا في قراءة تاريخ الحكومات أمثلة وأدلة كثيرة على ذلك.

وتداخلت الظواهر السلبية في العمل الحكومي وفي علاقة الحكومات بالمجالس المختلفة، إلا أن الثابت والبيّن، هو أنه كلما قل وجود الوزراء ممن يمكن تسميتهم برجال دولة، زاد طغيان السلطة التشريعية وتمادى بعض أعضائها.

وفي ظل هذا المناخ الحافل بالسلبيات، برزت حالات جديدة في العمل السياسي البرلماني والحكومي، ومنها ظاهرة النائب المعارض بغرض إنجاز الخدمات، والوزير المتجاوب معه بغرض تفادي الاستجواب والمنصة، وبين هذا وذاك، ضاعت مصالح البلاد وتبددت حاجاتها.

إن العمل الوزاري عمل دولة وليس إدارة تسيّر الأعمال اليومية وتنجز معاملاتها، كما أنه ليس محاصصة سياسية أمام برلمان سياسي أو تسويات وترضيات خدمية أمام برلمان مهمته إنجاز المعاملات بالحق والباطل.

إذا غاب رجالات الدولة عن حكوماتها، فإن هذه الحكومات ستكون إدارات لتسيير يوميات الدولة لا لتوجيهها والارتقاء بها.

الجريدة

back to top