«ياباني أصلي»!

نشر في 13-02-2017
آخر تحديث 13-02-2017 | 00:00
 مجدي الطيب على عكس أولئك الذين اتهموا فيلم «ياباني أصلي» بالإساءة إلى مصر، لأنه أظهر النيل ملوثاً، والتعليم فاسداً، والشعب غير متحضر، والحارة تعجّ بالبلطجية، فإن إعمال نظرية «نصف الكوب الممتلئ» يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المؤلف لؤي السيد والمخرج محمود كريم، ومعهما الممثل أحمد عيد، وظفوا الواقع القاسي للوصول إلى الحقيقة التي أكدها المؤلف أيمن بهجت قمر في فيلم «عسل أسود» عندما صرخ في وجوهنا: «فيها حاجة حلوة»!

«ياباني أصلي» عن المواطن المصري «مُحرم» (أحمد عيد)، مندوب شركة السياحة، الذي تزوج «ساكورا» (ساكي تسوكاموتو)، عضو البعثة الدبلوماسية اليابانية التي تُعلم أعضاء البعثة اللغة العربية، وبعد عام من الزواج ضاقت بها الحياة في صفط اللبن، نتيجة لاختلاف الطباع والقيم الأخلاقية والسلوكيات الشخصية، وطلبت زيارة أهلها، مع طفليها التوأم «مصطفى» و«عبد الرحمن»، لكنها ذهبت ولم تعد. يلجأ «مُحرم» إلى المحكمة، التي تقرّ له بحضانة الولدين. لكن ممثل السفارة ومحاميها (عبد الرحيم حسن) يتدخلان، بدعم من السفير، لإقناعه بترك الطفلين لأمهما مقابل ثمانين ألف دولار، وهو العرض الذي يرفضه بشكل قاطع. ويصل الطرفان إلى اتفاق قانوني يقضي بتنفيذ الحكم، في مهلة لا تتجاوز الستة أشهر، وفي حال انخفاض مستوى الرعاية الصحية والتعليمية للطفلين تنتقل الحضانة إلى الأم اليابانية!

هنا يرتكب المؤلف خطأ عجيباً عندما يُظهر المحامي «فرحات الديب» (هشام إسماعيل)، وكأنه متواطئ يسعى إلى إقناع «مُحرم» بالتعجيل بالتوقيع على عقد الاتفاق من دون قراءة بنوده، ورغم هذا تسير الأمور هادئة إلى أن نفاجأ بوجود بندين في العقد ينزعان الطفلين عن الأب في حال فقد الوظيفة أو اتهامه في قضية مخلة بالشرف، ويتجدد الغموض من دون أية إشارة إلى الدور الذي أداه المحامي من عدمه!

لم يترك الفيلم منظومة من دون أن يفضح سلبياتها، وسوءاتها، فالمنظومة التعليمية تعاني الوساطة والفساد الأخلاقي (مدرس اللغة الإنكليزية يتردّد على شقة دعارة/ التلامذة يتبادلون الأفلام الجنسية ويتعاطون المخدرات والفن الهابط والرقص/ مصروفات المدارس مُبالغ فيها) والمنظومة الإعلامية غوغائية ومُصابة بهوس وتشنج (مقدم برنامج «المستقبل لينا») رغم تأكيد الفيلم أن استعادة الطفلين جاء استجابة للضغط المبذول من الصحافة والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما يتمثّل خلل المنظومة الاجتماعية في أطفال الشوارع وتشغيل الأطفال في سن مبكرة، والقسوة المفرطة في التعامل معهم (الطفل «شادي» الذي يساعد والده البواب)، والانفلات المجتمعي واضح (الحارة)، فيما تجلى فساد المنظومة الصحية في الكلفة الباهظة للعلاج (الأب يغادر المستشفى بطفليه قبل أن يفيقا من الغيبوبة حتى لا يتحمل نفقات الإقامة)، وتتصدر الأزمة الاقتصادية المشهد (المحامي يعمل سائق تاكسي ليزيد دخله)!

اتسم الفيلم بطرافة في اختيار أسماء الشخصيات اليابانية، مثل: «سوزوكي» و«ساكورا» و«تاناكا». ويُحسب له أنه لم يقع في شرك الإساءة إلى الطرف الياباني، جرياً على عادة بعض الأفلام التي تستدعي «الآخر» لتسخر منه، مثلما حالف التوفيق الكاتب والمخرج عندما وظفا الكوميديا السوداء Black Comedy كإطار لطرح أفكارهما شديدة الأهمية، معتمدين على أسلوب «السهل الممتنع»، الذي أشهد بأنه نجح في مخاطبة طبقات وشرائح اجتماعية متباينة، وإن بدت المبالغة كبيرة، وغير واقعية، في القول إن البطل وقّع «بروتوكول تعاون» شفهياً مع أهل الحارة للالتزام بالهدوء والأدب والأخلاق للإبقاء على أمله في حضانة الطفلين!

بالطبع حفل الفيلم ببعض الثغرات، كالأغنية المحشورة والمقحمة، التي غناها المطرب الشعبي حمزة الصغير، وحملت عنوان «عايش على الورق»، والخلل في تنفيذ مشهد استيقاظ الأب على طفليه أثناء تعاطي المخدرات مع أطفال الشوارع، حيث بدا وكأننا حيال «كابوس» قبل أن نفاجأ بأنه مشهد واقعي، وهو الخلل الذي تكرر مع القطع الحاد (مونتاج عمرو عاصم) على مشهد تحول الحارة الشعبية إلى التحضر المأمول، وتخلص أهلها من العادات والأخلاقيات السيئة، حيث افتقد المشهد المنطق والتمهيد الذي يبرره، فضلاً عن النهاية السعيدة التي بدت وكأنها جاءت بتعليمات رقابية، لكن يُحسب للفيلم إشاراته الجريئة إلى النبوغ المبكر للطفل المصري، والضغوط الحياتية والاقتصادية، وجرعة المشاعر الإنسانية الفياضة التي تم تنفيذها بحرفية وإتقان، في رحلة هروب الأب وطفليه، وتفوق المخرج، في تجربته الأولى، في قيادة فريق العمل بالكامل، واكتشاف الطفلين، وضبط انفعالات أحمد عيد، والاحتفاء بموهبة الرائع محمد ثروت، وتوظيف موسيقى مصطفى الحلواني، وكاميرا ضياء جاويش، وديكور الثنائي محمد فخري أحمد جمال الدين.

back to top