تعويم فكرة الدخل الأساسي الشامل في الهند

نشر في 11-02-2017
آخر تحديث 11-02-2017 | 00:00
تسعى الهند جاهدة من الوجهة النظرية إلى مساعدة فقرائها، لكنها ليست بارعة في ممارسة هذا الهدف، كما أن كثيراً من مساعدات الرعاية هناك ينتهي إلى أيادي الأغنياء نسبياً الذين يستخدمون القطارات المكيفة أو القادرين على تقديم رشا إلى البيروقراطيين المسؤولين عن تحديد الشريحة التي تستحق تلك المساعدات.
 إيكونوميست الثامن من نوفمبر لم يكن فقط اليوم الذي تم فيه انتخاب مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة بل كان أيضاً اليوم الذي اكتشف فيه الهنود أن معظم الأوراق النقدية سوف تفقد كل قيمتها اذا لم يتم استبدالها على الفور. ومنذ ذلك الوقت توقع العديد من المواطنين الهنود الحصول على دفعات تعوض عن المبالغ التي لديهم، ولكن في خضم هذه العملية كانت حكومة نيودلهي تراقب عن كثب "الدراسة الاقتصادية" التي طرحت وتحدثت عن دخل أساسي شامل يقدم إلى كل مواطن في ذلك البلد.

المعروف أن فكرة دفع مبالغ نقدية الى المواطنين من دون النظر الى ما لديهم من ثروة تعود الى قرون عديدة، وقد أصبحت سائدة في بعض الدول الغنية وبين مفكري جناح اليسار الذي أحبوا جوانب إعادة التوزيع فيها، وكذلك خصومهم من جناح اليمين الذين يظنون أنها سوف تفضي إلى دولة أقل فضولاً، وكان لهذه الفكرة أنصارها في الهند، وتم إطلاق خطة الدخل الأساسي الشامل على نطاق صغير على شكل مشروع رائد في ولاية ماديا برادش في سنة 2010.

من جهة أخرى، كان تضمين هذه الفكرة في الدراسة السنوية التي تشكل أرضية للسياسات التي وضعها كبير المستشارين الاقتصاديين في الحكومة أرفند سوبرامانيان قد أضفى درجة من التركيز الجديد في أوساط أنصار هذا الاجراء – وخصومه – كما أن فكرة الدخل الأساسي الشامل تناقش في العادة بتعابير تجريدية. ويوجد في الوقت الراهن مبلغ مقترح يقدر بحوالي 7620 روبية ( 113 دولاراً ) في السنة وهو أقل من أجر شهر في الحد الأدنى من الأجور في المدن كما أنه ليس كافياً لتغطية تكاليف الحياة بصورة لائقة، ولكن ذلك المبلغ سوف يخفض معدل الفقر من 22 في المئة الى أقل من 0.5 في المئة.

ويطرح السيد سوبرامانيان أيضاً موجزاً حول كيفية الدفع، وسوف تأتي الأموال الى حد كبير من اعادة تدوير أموال من حوالي 950 خطة رعاية حالية بما في ذلك تلك التي تقدم مساعدات على شكل غذاء ومياه وأسمدة وغير ذلك، ويصل مجموع ذلك الى حوالي 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي – كما أن البدء في مثل ذلك البرنامج من الصفر سوف يستهلك حوالي نصف الميزانية السنوية للحكومة المركزية.

ويتسم موقف أنصار فكرة الدخل الأساسي الشامل بالوضوح، إذ تسعى الهند جاهدة من الوجهة النظرية الى مساعدة الفقراء في البلاد ولكنها ليست بارعة في ممارسة هذا الهدف. كما أن الكثير من مساعدات الرعاية في الهند ينتهي الى أيادي الأغنياء بشكل نسبي الذين يستخدمون القطارات المكيفة أو القادرين على تقديم رشا الى البيروقراطيين المسؤولين عن تحديد الشريحة التي تستحق تلك المساعدات.

ويقر السيد سوبرامانيان بأن ادارة فترة الانتقال الى النظام الجديد سوف تكون صعبة، وفي معظم أنحاء الهند يتعين على المواطنين السفر مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات للوصول الى بنك، كما أن الدفعات الرقمية ليست منتشرة في ذلك البلد، وتتمثل احدى سمات انتشار خطط الرعاية في أن عجز احداها عن الدفع قد يجعل الخطط الاخرى تحذو حذوها.

وتتمثل العقبة الاخرى في أن قلة فقط من المليارديرات يستفيدون حقاً من خطة الدخل الأساسي الشامل، وابلاغ مزارع أمي أن خطة المساعدة الغذائية التي كان يستخدمها طوال عقود من الزمن قد تحولت الى تمويل برنامج يجعله على قدم المساواة مع موكيش أمباني وهو قطب بارز يعيش في منزل من 27 طابقاً لن يحظى بتأييد في الانتخابات، وفي حقيقة الأمر فإن اقتراح السيد سوبرامانيان يقصر عن كونه شاملاً لأن الانتشار يجب أن يقتصر على 75 في المئة فقط من المواطنين الهنود، ويعني ذلك إما العودة الى اختبار السبل والوسائل أو الأمل في عدم مشاركة الشريحة الميسورة.

وإضافة الى ذلك فإن تنفيذ خطة الدخل الأساسي الشامل سوف يكون أكثر سهولة في الهند عبر طريقة واحدة مهمة هي ايصال الأموال الى المستفيدين، ولدى أكثر من مليار من السكان بطاقات تعريف بيومترية تعرف باسم "أدهار"، وفي وسع النظام التعامل بالأموال عن طريق تحويل الدفعات الواردة الى حساب مصرفي يرتبط برقم أدهار، وسوف تكون عملية توزيع الأموال على كل المواطنين سهلة على الرغم من أن ذلك سوف يعني حصول كل شخص مسجل في الخطة على نصيبه بمن في ذلك الأغنياء.

وسوف يتطلب الأمر فترة من الوقت من أجل حصول كل الهنود الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة على التحويل، ويستخلص سوبرامانيان أن الدخل الأساسي الشامل "فكرة قوية حتى اذا لم ينضج وقتها للتنفيذ فقد نضجت للنقاش الجدي"، وبالنسبة إلى الوقت الراهن تركز الحكومة على تلبية هدفها من العجز البالغ 3 في المئة والذي يتوقع أن يتخلف بنسبة 0.2 نقطة مئوية في السنة المقبلة. ولكن الفكرة سوف تظل قائمة وقد تبدو على شيء من الحماقة الفكرة القائلة بأنه في بلد يضم أكثر من ربع عدد الفقراء في العالم أن تقدم المال مقابل لا شيء، ولكن تلك على أي حال طريقة سريعة وفعالة لتحقيق الهدف المنشود.

فكرة دفع مبالغ إلى المواطنين دون النظر إلى ما لديهم من ثروة تعود إلى قرون عديدة وقد أصبحت سائدة في بعض الدول الغنية

إبلاغ مزارع بسيط أن خطة المساعدة الغذائية تحولت إلى تمويل برنامج يمنح أغنى الأغنياء ما يمنحه للفقير لن يحظى بتأييد في الانتخابات
back to top