«مكافحة الفساد» أمانة بأعناق أمنائها

نشر في 10-01-2017
آخر تحديث 10-01-2017 | 00:15
No Image Caption
تفاءل الجميع بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، وبالصلاحيات التي منحها القانون لها، واعتبروها فرصة تاريخية في تعزيز وتكريس أدوات الرقابة على الأداء الحكومي بشكل عام، مثلها في ذلك مثل ديوان المحاسبة، وهيئة أسواق المال، وكلتاهما هيئتان تراقبان سلامة الأداء وقانونيته.

لكن هذا التفاؤل سرعان ما اصطدم بخلافات شخصية على لوائح وصلاحيات بين أعضاء هيئة مكافحة الفساد، كانت نتيجته شللاً عمّ الهيئة وعطّل أداءها وأقعدها عاجزة عن ممارسة الدور الذي كان معقوداً عليها الأمل في تحقيقه.

هذا الشلل هو ما كان يتمناه ويعمل على تحقيقه أرباب الفساد وأقطابه، ومن المؤسف المرير أن يكون أعضاء الهيئة هم من قدموا إلى الفاسدين والمفسدين جثتها على طبق من ذهب ودون حاجة إلى عناءٍ من هؤلاء الذين كانوا يحلمون بوأدها قبل أن تبصر النور.

لقد فوجئنا بخلافات لائحية بين أقطاب الهيئة وقياداتها، رغم أنهم ممن يُشهَد لهم بالنزاهة والخبرة في العمل والإدارة، لكن تلك الخبرات، للأسف، لم تتجسد في احتواء الاختلافات وتجاوزها، بل تحولت عندهم إلى خلافات تنحو إلى الشخصانية التي تتجاوز التباين أو حتى التعارض في وجهات النظر، ولم يخطر ببالهم أن تلك الهيئة الوليدة مستهدفة منذ قيامها، وغاب عنهم، وهم ممن يفترض فيهم أن يكونوا ذوي الخبرة، أن قوة الهيئة الحقيقية وقدرتها على أداء رسالتها تكمنان في قدرتهم على حمايتها وإبقائها حية وصلبة وصامدة في وجه الفاسدين والمفسدين، لاسيما أنها الند المقابل والمحارب لتيار الفساد في الدولة، ولكن ما نشاهده عكس ذلك تماماً، إذ غدت خلافاتهم أدوات هدم وتفتيت للهيئة بل تدمير لها، ليسفر هذا الصراع بين أعضائها عن إخلاء الساحة للفسدة وإغماض أعين المراقبة عنهم ليعيثوا في الدولة كما يشاؤون.

ومثلما كان لنا موقف واضح وثابت في دعم إنشاء الهيئة وقيامها والدفاع عنها، فإننا نحمّل القائمين عليها مسؤولية إخفاقها وفشلها في تحقيق رسالتها، وتلك مسؤولية سيسجلها التاريخ نقطة سوداء لا تعكس إلا استهتاراً وتهميشاً لما تحتاج إليه البلاد من مؤسسات حيوية وفعالة.

ويزيد من وقع تلك المفاجأة المُرّة أننا كنا نتوقع من مسؤولي الهيئة أن يكونوا أول المدركين لأهميتها ولمسؤوليتهم التاريخية في ضرورة الحفاظ عليها وتفعيلها وإنجاحها، وعندئذ كان للتاريخ أن ينظر إليهم بعين الإكبار ليسجل أسماءهم بمداد الفخار والشرف، أما أن يكونوا معاول هدمها لتفتيتها، فذلك في أحسن الأحوال، من أوجه التغاضي عن الفساد.

back to top