ممانعة الديمقراطية الجذرية للتطور

نشر في 12-11-2016
آخر تحديث 12-11-2016 | 00:05
 حمد الدرباس منذ ما بعد أحداث الجزائر الدموية في التسعينيات إثر حصول الإسلاميين على الأغلبية وإعلانهم نيتهم لتطبيق الشورى وفق المفهوم الإسلامي القديم وما تلاها من نتائج, تيقنت الكثير من الجماعات الإسلامية أن الديمقراطية من الممكن أن تكون طريقا آمنا للسيطرة على الحكم, وما يعزز هذه النظرية هو التجارب التركية والفلسطينية والتونسية والمصرية، حيث تمكّن إسلاميون من الوصول إلى سدة الحكم دون إراقة دماء. هذا ما أدى إلى التغير في خطابهم السياسي، حيث استبدل ذكر الشورى بالدعوة إلى المزيد من الديمقراطية, غير أن الديمقراطية المقصودة في هذا الخطاب تعرف بـ"الديمقراطية الجذرية"، وهي في حقيقتها ديمقراطية صورية تختلف عن الديمقراطية الليبرالية.

دانيال برومبرغ في الكتاب الذي أعده بعنوان "التعدد وتحديات الاختلاف, المجتمعات المنقسمة وكيف تستقر؟" يصف الديمقراطية الجذرية بأنها "تضحي بالمصالح المتنافسة أمام الإفصاح المباشر عن مصلحة عليا واحدة تعبر عنها إرادة الأغلبية", في حين أن الديمقراطية الليبرالية تتميز باستخدامها "آليات سياسية للحؤول صراحة دون فرض الأغلبية إرادتها على الأقلية إلى ما لا نهاية".

إذا نظرنا إلى الواقع فسنجد النموذج البريطاني المعبر عن الديمقراطية الليبرالية، حيث تداول السلطة المستمر بين حزبين وطنيين مع دور الأحزاب الصغيرة في ترجيح الكفة في كثير من الأحيان عبر تحالفاتها مع هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي يسعى كل حزب للحفاظ على علاقات جيدة مع الأحزاب الصغيرة من خلال العناية بمصالحها للاستفادة من هذه العلاقات في المستقبل, أي تطبيق مباشر للمصالح المتنافسة.

أما الديمقراطية الجذرية التي تقبل فرض الإرادة باسم الأغلبية فهي لا تعترض على تداخل الإثنيات مع السياسة, فيكون مقبولاً لديها أن تقوم أغلبية إثنية بالحكم والسيطرة الى ما لا نهاية، وبالتالي "تشرعن" تهميش الأقليات الإثنية. هذا النموذج هو السائد في ديمقراطيات المنطقة, والمثال التركي خير معبر عن الاستحواذ على السلطة من قبل إثنية دينية ذات قومية واحدة، وتقوم بتهميش الأقلية الكردية، وكما أن الأقلية الكردية في تركيا متمردة, فإن هذا الشكل من الديمقراطية دائماً ما يكون غير مجد بالنسبة للأقليات الإثنية الخاسرة دائما, ولذلك تجدها في الغالب تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة، بما قد يصل إلى حد الاقتتال الأهلي.

هذا الشكل من الديمقراطية هو الذي أدى إلى الاستقطاب الطائفي والقبلي والفئوي في الكويت, وكل طرف من هذه الجماعات من الممكن أن يقبل بوأد الديمقراطية، على أن يبقى مهمشاً في ديمقراطية غير حقيقية قائمة على الإثنية, حيث إن هذا النوع من الديمقراطية لا يقدم أي ضمانات للأقليات ولا يضمن مشاركتها بصورة دائمة في اتخاذ القرار.

من هنا تأتي فكرة العلمانية التي هي أساس الديمقراطية الليبرالية، حيث تفصل السياسة وإدارة الشؤون العامة لكل المواطنين من كل الخلفيات الإثنية لحماية كل المكونات من سيطرة وتحكم إثنية ما بسلطات الدولة, ولكن ما يزيد المشكلة تعقيداً في الكويت هو أن الأقليات الإثنية هي الأخرى باتت أسيرة لممثليها المفترضين الذين سيسقط تلقائيا تمثيلهم المزعوم لهذه الإثنيات بمجرد التحول الى الديمقراطية الليبرالية التي تضمن حقوق كل الأفراد, ولذلك تجد أفرادها في الغالب غير فاعلين لتوجيه الدفة نحو العدالة القائمة على المساواة التامة بغض النظر عن اختلاف الإثنيات, هذا ما يفسر تصاعد التخندق الطائفي والقبلي والفئوي مع مرور الوقت.

المشكلة الأخرى هنا تتمثل في أن تيار الديمقراطية الجذرية معزز باستفادة الأسرة الحاكمة من هذا النظام, حيث إن الدستور من خلال الصلاحيات الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة يمنحها كعائلة المكافئ للأغلبية الإثنية التي لن يتوقع تنازلها عن هذا المكسب "الدستوري" لصالح مشاركة الآخرين في الاختيار, كما أن حفظ الاختلاف بين الناس بناء على الإثنية يوفر لها فرصة للاستفادة من هذه الخلافات التي لا تحل أبدا, هذا ما ورطها في الكلفة العالية لهذه التحالفات، الأمر الذي انعكس في حالة الشلل الإداري كنموذج، والناتج عن تقديم المحسوبيات على الكفاءة، حتى أصبح الجهاز الإداري أحد المعوقات الرئيسية للتطور في الكويت.

وعلى هذا الأساس, فإن كلاً من السلام الديمقراطي وتحقيق التطور سيبقيان تحت رحمة العصبيات والمستفيدين من تداخل الإثنية بالسياسة طالما بقي طموح الناس في حدود الحفاظ على هذه الديمقراطية الجذرية.

back to top