الذكرى الـ 15 لرحيل الأديب والشاعر خالد سعود الزيد

أحد رواد جيل التنوير ومن أبرز أعلام الثقافة في الكويت

نشر في 12-10-2016
آخر تحديث 12-10-2016 | 00:05
يصادف اليوم الذكرى الخامسة عشرة لوفاة الأديب والشاعر الكويتي الكبير خالد سعود الزيد (1937-2001)، أحد رواد جيل التنوير، ومن أبرز أعلام الثقافة المحلية، وله مساهمته الكبيرة في نهضة الكويت الفكرية والثقافية.
ولد الأديب الراحل في حي القبلة في الكويت عام 1937، وتلقى تعليمه في المدرسة القبلية، ثم في الثانوية المباركية. ظهرت مواهبه الشعرية مذ كان في السادسة عشرة، وفي 1966 صار عضواً في مجلس إدارة رابطة الأدباء في الكويت.

تولى سكرتارية تحرير مجلة "البيان" وعين رئيساً لتحريرها عدة مرات، وفي نهاية 1966 انتخبته الجمعية العمومية لرابطة الأدباء أميناً عاماً لها واستمر في موقعه هذا ست سنوات متتالية.

مشاركات

كان الزيد ناشطاً، فاعلاً في المنتديات والمحافل الثقافية، وشارك في معظم الأسابيع الثقافية والندوات، وألقى عدداً من المحاضرات في جامعات عربية وأجنبية، فضلاً عن مشاركاته في المحافل الثقافية. كان عضواً في لجنة نصوص الأغاني في وزارة الإعلام (1977) ورئيساً لها، ثم عيّن عضواً في المجلس الاستشاري للإعلام منذ 1991 إلى 1993.

الجوائز

خالد سعود الزيد هو أول أديب كويتي ينال جائزة الكويت في الآداب، لجهوده الكبيرة في التأليف والتأريخ للأدب. وحاز كذلك جائزة معرض الكويت الثامن للكتاب العربي عن كتابه "أدباء الكويت في قرنين"، الجزء الثالث. وفي عام 1984 فاز كتابه "فهد الدويري شيخ القصاصين الكويتيين" بجائزة أفضل كتاب في معرض رابطة الأدباء الأول للكتاب العربي.

كذلك نال الأديب الراحل شهادة التقدير من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1984 لجهوده في التأليف والتأريخ للأدب الكويتي، وحاز كذلك تكريماً لدى قسم اللغة العربية في جامعة الكويت في "يوم الأديب الكويتي".

من مؤلفاته الأدبية والشعرية

• من الأمثال العامية، 1961.

• أدباء الكويت في قرنين (الجزء الأول صدر عام 1967).

• خالد الفرج حياته وآثاره، 1969.

• أدباء الكويت في قرنين، الجزء الثاني،1981.

• عبد الله سنان، دراسة ومختارات بالاشتراك مع د. عبدالله العتيبي، 1981.

• صلوات في معبد مهجور، ديوان شعر، 1970.

• أدباء الكويت في قرنين، الجزء الثالث، 1982.

• الكويت في دليل الخليج، السفر التاريخي، 1981.

• الكويت في دليل الخليج، السفر الجغرافي، 1981.

• قصص يتيمة في المجلات الكويتية، 1982.

• مسرحيات يتيمة في المجلات الكويتية، 1982.

• مقالات ووثائق عن المسرح في الكويت، 1983.

• سير وتراجم خليجية في المجلات الكويتية، 1983.

• شيخ القصاصين الكويتيين فهد الدويري حياته وآثاره، 1984.

• كلمات من ألواح، ديوان شعر، 1985.

• الشاعر محمد ملا حسين، حياته وشعره، 1987.

• ديوان خالد الفرج، الجزء الأول والثاني، تقديم وتحقيق، 1989.

• فهرس المخطوطات العربية الأصلية في مكتبة خالد سعود الزيد، صدر عام 1990، بالاشتراك مع الدكتور عباس يوسف الحداد.

• بين واديك والقرى، ديوان شعر، 1992.

وسيط الآل والأصحاب

لعلي حين أراجع حقبة النشأة وبواكير الشباب أجد نفسي ابناً مخلصاً للبيئة السمحة التي تظلها المحبة، ومشاعر الأخوة الطيبة، وسلوكيات التكافل، ذلكم هو ما كان في منطقة "الشامية" حيث نشأت؛ بل وفي سائر مناطق الكويت حيث يعيش أهلها على المحبة والسلام والموادعة وشعور "الفريج" الواحد.

وعلى هذا النحو كان ديوان خالد سعود الزيد (1937- 2001) نموذجاً رائعاً لـ"الفريج" المصغر الذي يرتاده الأحباب من كل لون ومذهب، وكان فيه الزيد لسان صدق وآية حبٍّ في التعامل مع الجميع. كان- رحمه الله- يقول لنا، إنه كان في الماضي يصدّق كلّ ما يُكتبُ في الصحافة، لأن نفسه الطيبة لم تكن لتستوعب أن يتلبس إنسان بجريرة الكذب فيما يكتب، ولعل هذه الفطرة الطيبة المجبولة على الصدق كانت مثار حساسية خاصة ممن ألِفوا الكذب وعاندوا الحقيقة وامتلأت نفوسهم بكلِّ ما فيه مغْضبة لله ومعاندة للقيم الإنسانية الصافية.

فلقد علّمنا الزيد أننا أبناء وأحفاد لتراث غني حافل بالجميل وغير الجميل، وأن علينا ألا نكتفي بالوقوف عند الساحل، وألا نقنع في تأمله بالقشور دون اللباب. كان يقول: الحق لا يملكه أحد؛ الحق أكبر من أن يحيط به محيط. ولقد تآلفتْ على رفوف مكتبته العامرة تصانيف شتى: الطوسي والطبرسي، وابن تيمية وابن القيم، والفخر الرازي وأبو حامد الغزالي في وُدٍّ لا يعرف الجفاء، وكان يقرأ علينا منها جميعاً، متأملاً ومفسراً وشارحاً دون أن يُكفر أحداً أو يحتقر شخصاً، ولم يجعل من هؤلاء أو أولئك فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. ولعله - رحمه الله - كان يستشهد بعبارة كريمة جديرة بأن يكون صاحبها هو الإمام الصادق عليه السلام، حين كان يقول لشيعته: "كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا". وكأنَّ لسان حال خالد سعود الزيد في تعهده لتلامذته ومريديه يلهج بمثل هذه العبارة: كونوا زينا لي ولا تكونوا شيناً عليَّ لئلا يقال عني ما عَرَفَ الزيد كيف يعلم أبناءه وجلساءه الذين اجتمعوا حوله ولاذوا بمجلسه الكريم.

وكان عشقه للعترة الطاهرة ظاهراً مشهوداً، يزورهم في مراقدهم ما أُتيحت له الفرصة للزيارة، موقّرٌ للأحياء من أبنائهم، كما أنه في الآن نفسه سني مُقِرٌّ بخلافة الشيخين، مُحب لهما، متفقهٌ في المذاهب الأربعة، معترف بها، ولقد كان يردد قائلا: إن الله إذا أراد بسني خيراً جعل حبَّ أهل البيت عنده مقدماً على كل شيء، وإذا أراد بشيعي خيراً ألهمه حبَّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولعل من أجمل ما سمعت من بعض الأحباب في هذا المقام، إذ يصف حال أبي سعود، فيقول: لقد كان شأنُهُ تَشَيُّعاً من غير رفض، وتَسَنُنًّا من غير نصْبٍ. ولاريب أنّ ذلكم هو مَسْلك الخير الذي أراده الله لهذه الأمة حين اختار لها أن تكون أمة وسطا لا يتناوشها الإفراط أو التفريط.

إنني أعود مرة أخرى إلى الباقيات الصالحات من أعماله، وإلى منجزه الأهم كتاب "أدباء الكويت في قرنين" ذلك السفر الخالد الذي أرخ فيه للشعر والشعراء والثقافة والفكر في الكويت لأجد سيرة الشيخ عبدالله الخلف - رحمه الله - الحنبلي المذهب مسطورة فيه، يتلوها مباشرة سيرة الشاعر زين العابدين حسن بن باقر- رحمه الله - الشيعي المذهب والمولود في الكويت في القرن التاسع عشر؛ ذلك الشاعر الموهوب والخطاط الماهر الذي تنسب إليه كتابة العبارة الشهيرة المسطرة على بوابة قصر السيف العامر، هكذا على تفاوت ولا تفرقة، فإنه ما كان يوماً مشغولاً باختلاف الأعراق والمذاهب، ولكن كانت الحقيقة غاية، وخدمة العلم ديدنا، ومحبة الكويت لكل أهلها شِرعة ومنهاجاً.

أهدى كتاب "الشجرة المحمدية" إلى الحسن بن علي عليهما السلام رمز الوحدة وحاقن دماء المسلمين، وها نحن أولاء في هذا البلد الذي أسبغ الله عليه نعمة ظاهرة وباطنة، تمتلئ منا الجيوب فتفرغ منا القلوب، وتشبع الأشباح فتتضور الأرواح، وتمتد العيون وهي تنشد حاقناً جديداً للدماء على شاكلته.

كان مجلسه المبارك يضم شتى الأطياف والأحزاب، ومختلف المذاهب والعقائد، وأصناف الأديان والجنسيات، لنكون في هذا المجلس إخواناً على سُرُرٍ متقابلين.

لقد غادرنا جسداً يوم رحل إلى دار الحق، ولم يغادرنا روحاً وأخلاقاً وسلوكاً، فجميع تلامذته وأحبائه على العهد باقون، وعلى ذكر الطيب عاكفون، هنالك في بيته العامر يلتقي الأبناء والأصحاب على عهده بهم، يذكرونه دائماً بالخير لما له من حق عليهم، يسألون الله أن يهبهم القدرة على الوفاء به، وستظل سيرته الطيبة نبراساً هادياً في طريق الوحدة الوطنية التي تحققت في سيرته قولاً وعملاً، لتكون الكويت كاسمها "كوتا" وحصناً منيعاً على أهل المكر السيئ، وحضنا دافئا جامعا لأهل محبتها والمخلصين من أبنائها.

فعليك سلام الله يا أبا سعود في الخالدين إلى أن نلقاك بفضل منه ورحمة إخواناً على سُرُرٍ متقابلين.

المواقف والمخاطبات... من كلمات المعلم لمريده

مهداة إلى معلمي خالد سعود الزيد في ذكراه الـ 15

منذ عرفته وقفتُ منه موقف المريد، ووقفَ مني موقف الأب المعلم، أدبني قولاً وفعلاً، أقامني منه مقام الابن، يغدق عليّ من كريم عطائه علمًا ومعرفة وأدبا. وكنت أنهل منه صباح مساء، لا أتوقف عن الأخذ، كلما جئته جئتُ دوحة كريمة تفيض بالحب والعطاء دون منِّ أو أذى.

وتلك المواقف والمخاطبات بعض ما أفاء عليّ، أبثها اليوم بعد أن تجدد وجوده في وجودنا، وكبر معناه في قيامنا، وزاد اتساعًا في فهمنا. فالمعلم معنى لا يموت بل يتطور بتطور مريده، ويتجلى له في خلواته وسكناته، يوقفه ويخاطبه، كالنسمة العابرة، والزهرة الباسمة.

(1) موقف

أوقفني في موقف الفطرة، وقال: يصعب على المرء أن يسجل في كلمات مقيدة محدودة تجربته المطلقة الممتدة، إنه يحيا في الحيّ القيوم، فكيف يصف الحيّ القيوم؟ إنه في الحقيقة لا يصف إلا قيام نفسه فيه، إذ لا يستطيع أن يصف المحاطُ المحيطَ، وتظل دائرة الوجود تتسع باتساع معارف الإنسان ومداركه في الحقيقة التي لا حدود لها، ولو ارتبط الإنسان بالحقيقة حقًّا ووعى قيامه فيها لصار لا حدود له أيضاً، لذا سعى الإنسان منذ أمد بعيد إلى تقييد نفسه، وتقييد ذاته، وتقييد معتقده، وتقييد معارفه، حتى غدا قائما في المقيد غير واع لمعنى المطلق في وجوده.

إن دين الحق ودين الفطرة جاء ليطلقنا من إسار وجودنا المقيد إلى الوجود المطلق، الوجود الأعلى، الوجود الأسمى الذي تتلاشى فيه الأسماء وترفع فيه الصفات، فلا يبقى إلا وجه الحقيقة قائمًا متلألئاً وضاء، متبسمًا يدعونا أن نقتبس من نوره لينير وجودنا، وينير عقولنا، ونجدد في الوجود الأكبر وجودنا بشهادة أن لا إله إلا الله حقاً، وشهادة أن محمدًا رسول الله صدقاً. تلك الشهادة التي تتوحد في قيام الإنسان وتُوحد قيامه بين غيب مستتر، وشهود ظاهر يتجلى في محمد رسول الله.

ما لمعناهُ في الحقيقةِ حدُّ كلُّ شيءٍ من نوره مستمدُّ

هو هذه العصور تَتْرَى تباعًا هو هذي الجموعُ حين تُعدُّ

(1) خطاب

خاطبني قائلاً: "الحمدُ قفلٌ مفتاحه العمل".

(2) موقف

أوقفني في موقف النساء، وقال: "الرجال قوامون على النساء".

أي الرجال هم القائمون على خدمة النساء؛ فهي مكفولة دوماً، المرأة هي أصل الوجود، خلق منها زوجها، فالهاء عائدة على النفس، والنفس هي المرأة، أي خلق من حواء آدم، الأمومة الأصل في الوجود كما هي الأرض بمثابة الأم، والإنسان منها بمكانة الابن، فمنها جاء وإليها يعود.

بأبي أنت بارقًا يتثنى بمعاينه مسفرًا أو مُكنَّى

صورتي حيثما أقلب وجهي أنت مرآة نازح الأمسِ يبنى

وبعيدُ المنالِ حرفٌ شرودٌ أمر الله أن يكون: فكنَّا

(2) خطاب

خاطبني، قائلاً: الكويت تحرق باطل من فيها، وباطل من يأتيها.

(3) موقف

أوقفني في موقف العقل، وقال: "اربط عاطفتك بعقلك، حتى تصبح مربوطاً بالحق، فلا عقل غربي محض، ولا عاطفة شرقية محضة، لابد من برزخ بينهما حتى لا يبغيا، وحتى لا يطغيا، وما البرزخ إلا قيام معنى الحقِّ فيك يا أيها الإنسان".

(3) خطاب

خاطبني قائلاً: إن قلق أهل الطريق خلاق، وقلق أهل الباطل قاتل.

(4) موقف

أوقفني في موقف الكلمة، وقال: بالبدء كانت الكلمة، بالبدء كان الإنسان، عيسى كلمة الله، موسى كليم الله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أوتيت جوامع الكلم". إن الكلمة هي الإنسان، يوم تقوم فيه معاني الحقيقة المحمدية، فيصبح كلمة تامة حية قائمة في الوجود.

والمعلم هو كتاب الحقيقة المفتوح لمن شاء أن يقرأه، فاقرأ ما فاتك من جودك فيه، إنه كتاب الوجود التام:

عدْ بي إلى حرف الوجود المشرئبِ لمنتهاها

من سدرة الحق القديم المستجد على مداها

يا(سين) إن لم يعرفوا من كنت إن الله باهى

ما كنت إلا المنتهى فيها وإنك مبتداها

(4) خطاب

خاطبني قائلاً: "إن أردت أن تقتبس من أنواري فكن بجواري".

(5) موقف

أوقفني في موقف الفهم، وقال: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"، وما كان شياطين الجن إلا ما استتر في النفس البشرية واستجن، وشياطين الإنس إلا ما ظهر من النفس في البدن.

ثم أردف قائلاً:

ألا أفديك منفرداً تشق الدرب منفردا

فلم تحفل بلائمة ولا من عاذل جهدا

إذا أقبلت محتشداً رأيت الكون محتشدا

تسير فيستوى قدر قسا أو لان مبتردا

(5) خطاب

خاطبني، قائلاً: "التقوى زيت القلب".

back to top