الزواوي بغوره: التهميش والظلم من أسباب نشأة الإرهاب

نشر في 24-06-2015
آخر تحديث 24-06-2015 | 00:01
يرى أستاذ الفلسفة المعاصرة في قسم الفلسفة بجامعة الكويت د. الزواوي بغوره أن {ما يعرف في الأدب السياسي بالربيع العربي، إنما هو قبل كل شيء دعوة إلى إصلاح، ووضع حد للفساد والتراجع}، ويشبه أيدولوجيات الجماعات الإسلامية المتطرفة بالأيديولوجية النازية والفاشية. ويرى أن للتهميش والإقصاء دوراً في خلقها، غير أنه يشدد على أهمية أن تقرأ النصوص المستند إليها في سياقها، وإتاحتها للتأويل المتعدد رداً عليها، فـ{تاريخ الجهاد في الإسلام لا يثبت ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية».

«الجريدة» حاورت د. الزواوي المحمل بهموم الإنسان وبملامحه العربية عن الأزمات المتلاحقة باسم الأصالة والتمسك بالـ{حقيقة» التي تشكلها الجماعات المختلفة، استفاضة بما يعني الإصلاح والتجديد الديني كمطلب أساسي للتخلص من كوارث عصرنا الحديث.

كيف يمكن الحديث اليوم عن التنمية والتقدم؟

في تقديري، ما يجب التركيز عليه هو التنمية بمختلف أشكالها المادية والمعنوية، والكمية والنوعية. بتعبير آخر، المطلوب هو إحداث تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وذلك بالنظر إلى المتطلبات والحاجات التي تفرضها مجتمعاتنا. وإذا كان خطاب التنمية الاقتصادية قد غلب على العقود الماضية، فإن المطلوب اليوم هو الاهتمام بالتنمية السياسية والثقافية، من خلال إدخال إصلاحات بنيوية ووظيفية على نظمنا في الحكم والتسيير والإدارة والتعليم، والاعتناء بوجه خاص بالتنمية المستدامة.

 ومما لا شك فيه أن كل نجاح في التنمية يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو التقدم الذي لا يعني مراكمة الخيرات، وتحقيق الحاجات فقط، وإنما الإسهام في الإبداع والاكتشاف، وتحقيق السعادة.

 

بالنظر إلى ما يعرفه العالم العربي من أزمات؛ ما الطريق إلى الإصلاح، خصوصاً الإصلاح الديني؟

حقاً، إن المجتمعات العربية في حاجة إلى عمليات إصلاح شاملة. وفي هذا السياق، فإن ما يعرف في الأدب السياسي بالربيع العربي، إنما هو قبل كل شيء دعوة إلى إصلاح وإلى إصلاح النظم التسلطية قبل كل شيء، ووضع حد للفساد والتراجع الذي يعم مختلف ميادين التنمية. ومن المعلوم، أن التقارير الدولية كافة حول التنمية في العالم العربي تشير إلى التخلف الذي أصاب مختلف مجالات المجتمع العربي. ومما لا شك فيه، أن أحد أهم وجوه الإصلاح التي يجب أن نهتم بها هو الإصلاح الديني، وذلك بالنظر إلى ما لحق بدين الإسلام من انحرافات أظهرها للعيان التطرف والإرهاب. لذا وجب على الدولة والمجتمع، خصوصاً المثقفين وعلماء الدين أن يسهموا في هذه العملية التي تحتاج في تقديري إلى أبحاث ودراسات نظرية وميدانية يقوم بها الباحثون في مجال العلوم الدينية والإنسانية، ويشارك فيها المثقفون بآرائهم النقدية، من خلال نقاش علمي معزز بحرية البحث والتعبير، ويعمل على تقديم تصورات تأخذ بعين الاعتبارات حاجة المجتمعات العربية، ومتطلبات العصر، وما حققته المعرفة الإنسانية من تقدم.

نماذج تفسيرية

ما التفسير الذي يمكن تقديمه لظاهرتي التطرف والإرهاب في الثقافة العربية المعاصرة؟

في الغالب، تقدم أربعة نماذج تفسيرية لظاهرة التطرف والإرهاب. يرى النموذج الأول أن بعض الأفكار قاتل. والمثال البارز على ذلك هو الإيديولوجية النازية والفاشية. ولا تختلف الجماعات الإسلامية الإرهابية في أيديولوجيتها الشمولية عما عرفه القرن العشرون من هذه الأفكار القاتلة. وحجة أصحاب هذا الطرح أن بعض النصوص الأساسية في الإسلام يقر بمبدأ العنف كمبدأ أساسي. ولكن الاعتراض على هذا التفسير يأتي من جهات عدة أهمها ضرورة أخذ النصوص في سياقها، وقابلية هذه النصوص للتأويل المتعدد، وأن تاريخ الجهاد في الإسلام لا يثبت ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية. ويذهب النموذج التفسيري الثاني إلى أن الأفكار لا تصبح قاتلة إلا عندما تخضع لنوع من التنظيم سواء تعلق الأمر بالجامعات الإسلامية أو بغيرها من جماعات إرهابية. فالتفجيرات على سبيل المثال عمل جماعي منظم مهما كان شكله ومستواه. ويعطي النموذج التفسيري الثالث الأولية للجوانب النفسية، ويصف القيمين بمثل هذه الأعمال بالأفراد الذين يعانون اضطرابات نفسية، ويتأثرون بقوة بجماعات الانتماء، وذلك إما بحكم ضعفهم النفسي، أو بحكم تكوينهم المحدود. إن هذا التفسير النفسي رغم أهميته، فإنه يواجه اعتراضاً أساسياً وهو تنوع الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات الإرهابية أو يقومون بأعمال إرهابية، فماضي بعض هؤلاء الأفراد إجرامي، ولكن بعضهم الآخر لا تشير سيره إلى السلوك العنيف والعدواني، إنما الذي يحركه في الغالب نوع من الرفض الأخلاقي لما هو قائم، ولما يعتبرونه ظلم لا يطاق، أو يسعون إلى تحقيق مثال طوباوي.

أخيراً، ثمة نموذج تفسيري رابع يذهب إلى القول بأن المجتمع هو المسؤول عن العنف. المجتمع الذي لا يقدم لشبابه اندماجاً كافياً ومتوازناً يتعرَّض بالضرورة إلى ردود فعل عنيفة قد تؤدي إلى الثورة أو إلى الإرهاب. ومما لا شك فيه أن سياسات الإقصاء والتهميش والإجحاف والظلم كلها عوامل تساعد على صناعة الظروف المناسبة لنشوء الجماعات المتطرفة والإرهابية.

حرية ومساواة

ما بين التفسير الاجتماعي والنفسي؛ ما دور المثقف والمفكر وسط هذه الفوضى المدمرة من أجل نهضة جديدة؟

كان ولا يزال دور المثقفين والمفكرين أساسياً في كل نهضة ثقافية، أو تنمية اجتماعية وسياسية، أو في كل تقدم حضاري. ولا شك في أن عديد المثقفين العرب، منذ ما يعرف بالنهضة العربية الحديثة، قد أسهموا بكتاباتهم ومواقفهم في تنمية وتطوير الثقافة العربية. ويعنيني في هذا المقام التأكيد على فكرتين، الأولى هي أن الدور الحقيقي للمثقف يتمثل في القيام بالنقد من خلال فحص وتشخيص المشكلات والقضايا التي يهتم بها سواء ضمن مجال معين أو مجالات محددة. وأعني بالنقد بيان حدود الأشياء والآراء والأفكار. ولا يتسنى لنا القيام بذلك إلا بنوع من المعرفة الدقيقة في مجال أو مجالات محددة. وثانياً، لا يتميز المثقف بمعارفه العلمية كما هي الحال عند العلماء فقط، وإنما بمواقفه التي تعبر عن التزامه بالقيم الإنسانية الكبرى، خصوصاً قيم الحرية والمساواة والعدل والتسامح.

   نقاش مفتوح

وما البديل الممكن؟

يهب بعض التحليلات إلى القول إن ما يعرفه العالم العربي من أزمات يعود إلى غياب البديل، والحق فإن هذا الحديث في تقديري، لا يزال يرتبط بفكرة البدائل الكلية، ولم يدرك ما أدخلته العولمة من تحولات. نعم، ثمة نقاش مفتوح حول البدائل النظرية الخالصة، أو البدائل الفلسفية. على سبيل المثال، هل تعتبر الديمقراطية الليبرالية أفضل أشكال الديمقراطية، أو إذا استعرنا تعبير كارل بوبر هل الديمقراطية الليبرالية هي أفضل العوالم الممكنة؟ بهذا المعنى، فإن النقاش حول فكرة الديمقراطية لا يزال مفتوحاً، ويجب أن يبقى كذلك، لكن عديد القيم الديمقراطية وآلياتها لم يعد كذلك إلا في ما يتعلق بتبيئتها أو تكييفها مع السياقات الوطنية. فلم يعد النقاش قائماً على سبيل المثال حول أهمية وضرورة الفصل والتمييز بين السلطات، ولم يعد النقاش قائماً حول ضرورة التداول على الحكم، أو حول ضرورة قيام المؤسسات القانونية، الخ. يعني ذلك أن البدائل الخاصة بالتنمية والتنمية المستدامة لم تعد، منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، تطرح نظرياً، بقدر ما تطرح عملياً، سواء من جهة التكييف أو الفاعلية. وإن نظرة سريعة على مختلف البلدان التي نجحت في تنميتها والتحقت بركب البلدان المتقدمة مثل الصين والهند والبرازيل وماليزيا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية يفيد بأن هذه البلدان إنما استرشدت ببعض القواعد العامة، ومنها أن التنمية يجب أن تكون شاملة. ثانياً، التركيز على قطاع التربية والتعليم، وتشجيع البحث العلمي.

ثالثاً، التأكيد على قيمة العمل والإنتاج.

رابعاً، إقامة المؤسسات القانونية والديمقراطية، مع ما يتطلبه من إشاعة قيم الاحترام والتسامح والحوار.

في سطور:

• الاسم: الزواوي بغوره بن السعدي.

 

• الوظيفة الحالية: أستاذ دكتور، قسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة الكويت.

• التخصص: الفلسفة المعاصرة.

الأعمال العلمية:

• الخطاب الفكري في الجزائر بين النقد و التأسيس، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2003.

• الفلسفة واللغة، نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة المعاصرة، دار الطليعة، بيروت - لبنان 2005.

• ما بعد الحداثة والتنوير، موقف الانطولوجيا التاريخية، دراسة نقدية، دار الطليعة، بيروت- لبنان 2009.

• الاعتراف، من أجل مفهوم جديد للعدل: دراسة في الفلسفة الاجتماعية، دار الطليعة، بيروت - لبنان 2012.

• مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو، دار الطليعة، بيروت– لبنان، 2013.

• CRITIQUE ET EMANCIPATION, Recherches foucaldiennes sur la culture arabe contemporaine, Paris, L’Harmattan,2014..

• الخطاب، بحث في بنيته وعلاقته في فلسفة ميشيل فوكو، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت-لبنان، 2015.

• الهوية والتاريخ، دراسات فلسفية في الثقافة الجزائرية والعربية، منشورات ابن النديم ودار الروافد الثقافية- ناشرون، بيروت- لبنان، 2015.

بالإضافة إلى بحوث محكمة، ومقالات ثقافية عدة، ومشاركة في مؤتمرات وطنية ودولية، والقيام ببعض المسؤوليات العلمية.

back to top