«ليش بابا عفتني؟ تدري آنه أحبك»

نشر في 14-07-2016
آخر تحديث 14-07-2016 | 00:09
 حسن مصطفى الموسوي في مثل هذه الأيام قبل ست سنوات كتبت مقالا بعنوان "لا عيد من دون عيدك يا خالد" تحدثت فيه عن الطفل الفلسطيني خالد الجعبري الذي بثت وسائل الإعلام مقطعاً له وهو يلاحق الجنود الصهاينة الذين اعتقلوا والده وهو يصيح "بابا... بابا"، ذلك المقطع المؤلم جدا لخص معاناة أطفال فلسطين من الاضطهاد الذي يتعرضون له تحت نير الاحتلال، والحرمان الذي يعيشونه بسبب امتلاء سجون الصهاينة بالآباء والأمهات الذين لا ذنب لهم سوى أنهم رفضوا الانصياع لسلطة الاحتلال وقوانينه الجائرة.

عاش خالد ذلك العيد من دون والده، لكنه قد يكون معه الآن، خصوصاً أن تهمته كانت إيصال الماء بطريقة غير شرعية لمزرعته، لكن تلك الطفلة العراقية التي انتشر مقطعها قبل أيام وهي تبكي وتصيح "ليش بابا عفتني؟ تدري آنه أحبك"، لن ترى والدها بعد اليوم بعد أن قطع أشلاءه ذلك التفجير الإرهابي المفجع والقبيح في حي الكرادة ببغداد.

رأيت المقطع مرة واحدة، ولم أقو على رؤيته مرة أخرى لأن حرارة الألم في قلب تلك اليتيمة المسكينة كفيلة بأن تذيب كل قدرات التحمل لدى أي إنسان لديه ذرة مشاعر وأحاسيس. لقد جاء هذا المقطع ليذكر العالم أجمع بأن هناك مأساة شعب يعاني باستمرار منذ أكثر من 10 سنوات هذه المجازر الوحشية، في حين لم تستطع بعض الدول تحمل تفجير أو تفجيرين دون أن تقوم الدنيا ولا تقعد.

فمنذ 2003 وإلى يومنا هذا تتكرر التفجيرات الوحشية من أتباع الفكر التكفيري القذر لتنهش أجساد العراقيين من مختلف الأعمار والملل والطوائف دون اكتراث من هذا العالم الميت القلب. منذ تلك السنة ونحن نسمع شهريا بسقوط العشرات والمئات وأحيانا الآلاف، أخبار نمر عليها كأرقام دون أن نعي أن وراء كل رقم روحا وأبا وأما وأخا وأختا وعائلة وذكريات وأحلاما وآمالا، كلهم أرواح يستحقون الحياة بأمان والعيش بسعادة بدلا من تلقي التفجير وراء التفجير حتى بتنا أمام جيل كامل من الأيتام والآباء والأمهات والزوجات الثكالى، فقط لأن بعض الدول لا تريد أن تقوم قائمة لنموذج ديمقراطي ناجح في منطقتنا، ولا تريد أن تحكم الأغلبية هذه الدولة، فأطلقوا يد الإرهاب وسهلوا مرور شذاذ الآفاق والتكفيريين ليعيثوا بأهلها خرابا ودمارا.

والمثير للغضب هو ذلك البرود الإعلامي والرسمي في التعاطف مع ضحايا هذه المجزرة الأخيرة (الأكثر دموية منذ سنوات)، فحين نجد أبراج الكويت مثلا تتلون بألوان العلم الفرنسي والتركي وغيرها من الدول بمجرد تعرضها لعمل إرهابي، نجدها تتجاهل مآسي الجار العراق منذ 13 عاما- وخاصة المجزرة الأخيرة- في تصرف معيب ومرفوض. وإذا كان البعض لا يزال يعاني عقدة الغزو الصدامي، فقد آن الآوان لأن يتخلص من هذه العقدة لأن الشعب العراقي لم تكن له يد في تلك الحرب، بل كان ضحيتها أيضا، وعانى من صدام عشرات أضعاف ما عانيناه نحن في سبعة أشهر، فلننظر كيف قامت فرنسا وألمانيا الغربية معا في تأسيس الاتحاد الأوروبي بعد أقل من 15 سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي خلفت ملايين القتلى بين الجانبين وبإيمان واعتقاد أغلبية الشعب الألماني آنذاك بأفكار هتلر وأجندته. نعم مجرد التعاطف ليس بحل لأن العراق بحاجة لكف أيدي الإرهاب عنه، لكن إظهار هذا التعاطف الرمزي أقل الواجب تجاه هذه الشعب الشقيق الجار والمثكول.

يابنة الشهيد صوتك يرن في أذني صباحا ومساء، يابنة الشهيد لقد كسرت خواطرنا وقلوبنا وهززت مشاعرنا، يابنة الشهيد لقد نزفت عيوننا وتحطمت قلوبنا حزنا وألما على مشهد فقدك لوالدك، يابنة الشهيد إن المصاب عظيم وكبير كمصاب أطفال الحسين الشهيد (ع) وهم يشاهدون سيد شباب أهل الجنة ينحر من الوريد إلى الوريد، فكل يوم كربلاء وكل يوم عاشوراء. اللهم امسح بحنانك على هذه القلوب المفجوعة والخواطر المكسورة، اللهم تحنن على قلوب الأيتام والآباء والأمهات والزوجات الثكالى، وكل من فقد عزيزا في تفجير الكرادة البشع، وفي جميع التفجيرات الإرهابية الأخرى، اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

back to top