لا خطر من اختبار كوريا الشمالية النووي

نشر في 11-01-2016
آخر تحديث 11-01-2016 | 00:00
عندما وصل الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض حاول استئناف العلاقات المتأرجحة مع كوريا الشمالية، لكن هذه الإمكانية تراجعت، خصوصاً بعد تسلم كيم يونغ أون السلطة عام 2012، ومن ثم اختفت، حتى مَن ينادون منذ زمن بالدبلوماسية في التعامل مع بيونغ يونغ يقرون اليوم أن التفاوض بشأن شتى المسائل لا طائل فيه ما دام كيم يونغ أون في السلطة.
 سلايت لا يشكل اختبار كوريا الشمالية النووي نقطة التحول التي يدعيها حاكم هذا البلد المستبد كيم يونغ أون، فبخلاف كلماته المتفاخرة أخيراً، لم يكن الجهاز الذي اختُبر في الغالب قنبلة هيدروجينية، والتي تنفجر بقوة أكبر بآلاف المرات من القنبلة الذرية، كذلك لا يقرب كيم من تحقيق حلمه بتطوير صاروخ طويل الأمد مزود برأس نووي، فبما أن هذا الاختبار النووي الرابع فقط لهذا البلد، والثالث الذي ينجح إلى حد ما، فهو لا يبدل الميزان العسكري في المنطقة وفي العالم قيد أنملة.

لكن هذا لا يعني ألا داعي للقلق بشأن هذا الاختبار، على العكس من الضروري أن نقلق، وخصوصاً أننا نتحدث هنا عن الحاكم المستبد الأصغر سناً، والأكثر عزلة، والأفضل تسلحاً، وربما الأكثر جنوناً في العالم اليوم.

لكن ما يقلق كثيرين ليس وقائع الاختبار بحد ذاته بل الإطار السياسي المحيط به، فيذكر دانيال سنايدر، مدير مساعد في مركز شورنستاين لأبحاث آسيا والمحيط الهادئ في جامعة ستانفورد: "لا ترتبط هذه المسألة بنا أو بما نعتقده كخبراء جيو-سياسيين، بل بسياسات كوريا الشمالية المحلية والسياسات الإقليمية".

في الأشهر الأخيرة، حاول كيم التقرب من الصين وكوريا الجنوبية، طالباً مساعدات اقتصادية ومعرباً عن اهتمامه بعلاقات سياسية أكثر هدوءاً، فقيل له إن نشاطه النووي يشكل عقبة أمام التقدم في كلتا المسألتين، لذلك يعتبر البعض الاختبار النووي رسالة من كيم مفادها أن الهدوء سيحل وفق شروطه هو.

قد يبدو هذا العناد غريباً، نظراً إلى أن كوريا الشمالية تُعد البلد الأكثر فقراً وعزلة في العالم، فتشكل الصين حليفها الدبلوماسي الوحيد ومصدر كل مساعداتها وتجارتها تقريباً، ولا شك أن كثيرين من الكوريين الجنوبيين، بمن فيهم رئيسة البلد الحالية المحافظة بارك غوين-هاي، يرغبون في التقرب من جيرانهم الشماليين (أعلنت بارك عام 2014 أن الوحدة الكورية، وفق شروط الجنوب بالتأكيد، ستؤدي إلى وفرة اقتصادية للجميع). لكن الزعيم الكوري الشمالي، على غرار والده كيم يونغ إيل وجدّه كيم إيل سونغ، الحاكمين الوحيدين اللذين عرفتهما هذه الدولة الشيوعية منذ تأسيسها عام 1948، يعتمد على العزلة والظلم ليرسخ حكمه، وهنا ينشأ السؤال الذي يشغل بال كثيرين: كم يستطيع الحفاظ على هذا النوع من الحكم؟ وما الخطوات التي قد يتخذها؟ وما المخاطر التي قد يقدم عليها لتحقيق ذلك؟

تشير تقارير عدة إلى أن الرئيس الصيني كسي جينبينغ يزداد استياء من مناورات الشاب كيم البالية، وخصوصاً تلك التي تشمل أسلحة نووية، وإذا أراد الضغط على كيم، فهو يتمتع بالنفوذ لتحقيق ذلك، علماً أنه الزعيم العالمي الوحيد على الأرجح القادر على ذلك، لكن المشكلة، ولا شك أن كيم يدرك ذلك، تكمن في أن للصين مصالح أخرى أكثر عمقاً تمنع كسي من ممارسة ضغط كبير على كوريا.

وإن انهار نظام كوريا الشمالية، وهذا محتمل إذا تمت الإطاحة بوريث سلالة كيم الأخير والمصدر الوحيد لشرعية النظام، فسنشهد تطورين: أولاً، سيسارع نحو 10 ملايين لاجئ كوري شمالي فجأة إلى عبور الحدود إلى مناطق الصين الشمالية الشرقية البعيدة، مما يؤدي إلى أزمة إنسانية تستنفد موارد بكين. وثانياً، قد تنقل بحرية الولايات المتحدة وسلاحها الجوي سفنهما الحربية وطائراتهما بعيداً عن شمال شرق آسيا، بما أن كوريا الشمالية ما عادت تشكل خطراً يهدد كوريا الجنوبية واليابان، نحو تايوان وبحر الصين الجنوبي، مشكلة بالتالي خطراً يهدد مباشرة مصالح بكين الحيوية.

استغل والد كيم وجده برنامجهما النووي الناشئ كورقة مقايضة، إلا أن الغرب تعلم المقايضة في النهاية.

عندما وصل الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض حاول استئناف العلاقات المتأرجحة مع كوريا الشمالية، لكن هذه الإمكانية تراجعت، خصوصاً بعد تسلم كيم يونغ أون السلطة عام 2012، ومن ثم اختفت، حتى مَن ينادون منذ زمن بالدبلوماسية في التعامل مع بيونغ يونغ يقرون اليوم أن التفاوض بشأن شتى المسائل لا طائل فيه ما دام كيم يونغ أون في السلطة.

صحيح أن التعامل بدبلوماسية مع والد كيم وجده بدا صعباً، إلا أن الدبلوماسيين الغربيين نجحوا في تمييز أنماط معينة أو أسلوب تفاوض محدد وتوصلوا إلى طرق لخوض هذه اللعبة، لكن المثير للاستياء بشأن التعامل مع كيم الشاب أنه لا يتبع قواعد والده وجده. يوضح سكوت سنايدر، باحث من مجلس العلاقات الخارجية حدد كتابه Negotiating on the Edge (التفاوض على الحافة) عام 1999 قواعد التحاور مع كوريا الشمالية: "يبدو أنه لا يتبع أي قواعد. كان كتابي ملائماً عام 2011، إلا أنه ما عاد كذلك مع كيم يونغ أون".

أما الاختلاف الثاني الذي يشير إليه سنايدر، فهو أن والد كيم وجده استلما السلطة مع كوادر ثورية كان بإمكانهما الوثوق بنصيحتها، لكن كيم لا يتحدر من خلفية مماثلة (يُعتقد أنه تلقى علومه في سويسرا)، وقد قتل كل معلميه، باستثناء أولئك الذين اختفوا بشكل غامض، بكلمات أخرى لا أحد يعرف ما إذا كان لكيم أي هدف آخر غير توسيع سلطته، ومن غير الواضح علامَ سيقدم وإلى أي حد سيذهب لتحقيق هذه الغاية، وهذا ما يجعله مخيفاً ويجعل خطوات جريئة، مثل اختبار نووي آخر، أكثر إثارة للخوف مما تبدو عادة.

* فريد كابلان | Fred Kaplan

back to top