عامر الزهير: القرارات حول الأحداث الإرهابية الأخيرة ستدعم المنع والتضييق على الحريّات

نشر في 05-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-07-2015 | 00:01
• «الإمام» انتقد الفساد في المؤسسات الدينية... وتحقق في «الصوابر» مصادفة
كثيرة هي أعمال المخرج والمنتج السينمائي المبدع عامر الزهير التي  لم تر النور، ومنعت لأسباب خارجة عن إرادته، لكنه متمسك بإرادة العمل الذي يعشقه وحريته، ولهذا توالت أعماله التي حرص فيها على القيمة الإنسانية وثيمة حقوق المواطنة عموماً، مكتفياً بالقول: «يشرفني أنني أسهمت يوماً في توثيق جزء من تاريخ هذا الوطن وشعبه الحر المسالم».

حاورته «الجريدة» انطلاقاً من أفلامه الوثائقية التي أنجزها، آخرها فيلم «الإمام» الذي انتهى منه منتصف الشهر الماضي، والقائم على قصة للكاتب عبدالله محمد العتيبي من مجموعته «كعيبر»، ولها علاقة كبيرة في التحذير من مواضع الفساد التي كانت إحدى نتائجها الأحداث المفجعة التي مست الكويت أخيراً.

كمواطن كويتي أولاً، ومخرج مبدع تناول موضوعات دقيقة ومهمة تتمحور حول حقوق الإنسان في الكويت ثانيا؛ ما قراءتك للأحداث الأليمة التي هزت أمن الوطن في تفجير مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر، واستهدف المصلين في أحد بيوت الله؟

أولا، أتقدم بخالص العزاء والمواساة لأهالي وأحبة وأصدقاء ضحايا التفجير الإجرامي الأخير، على رأسهم سمو أمير البلاد، وأتمنى صادقاً أن تكون الحادثة آخر تلك الأحداث وخاتمتها.

وكأي مواطن آخر، أرى أن ما يجري حولنا هو خطر كبير يهدد وجودنا، وأن الوضع يحتّم علينا التآزر والوقوف كتلة واحدة ضد أكثر أنواع التعصب خطراً وهو التعصّب الديني.

وهذه مهمة تتطلب العمل الفوري على أكثر من صعيد.

{الإمام} فيلم ينطلق من المسكوت عنه في المجتمع، وقصة ممنوعة للكاتب عبدالله محمد العتيبي، ومخرج طالما نال المنع أفلامه المنتجة، ما الذي دفعك إلى هذا النص تحديداً؟

في حالات عدة  تقع تحت يدي قصص قصيرة وروايات محليّة تجذبني مواضيعها وتحّفزني للنظر بإمكانية تحويلها إلى فيلم سينمائي، وفي أغلب تلك الحالات يقف التمويل عائقاً أمام تنفيذ تلك الأفكار. لذا كنت أركّز بحثي على الموضوعات ذات البعد الإنساني والشخصيات والمواقع القليلة التي سيكون إنتاجها أقل كلفة.

{الإمام} إحدى تلك القصص القصيرة التي استهوتني فكرتها وجاءت مطابقة إلى حد ما لما كنت أبحث عنه، فهي تنتقد الفساد في مجتمعنا عموماً وتحذّر من تغلغله في المؤسسات الدينية خصوصاً.

ولإيماني بأهمية دور الفن في المساهمة بتسليط الضوء على مشاكل المجتمع وإبداء الرأي فيها، اخترت تلك القصة على أمل أن ألتقي بكاتبها لأطلب منه الإذن بتحويلها إلى فيلم قصير.

كيف كانت ردة فعل الكاتب عبدالله العتيبي عند اختيارك النص؟

سعدت بالتعرّف على الأستاذ الكاتب عبد الله العتيبي الذي كانت ردة فعله مشجعة إلى أقصى مدى. فالرجل وضع قصص مجموعته {كعيبر} جميعها تحت تصرفي من دون مقابل، ولم يشترط عليّ شيئاً حتى بعدما أخبرته أنني سأقوم ببعض التغييرات، بل على العكس، بارك التغييرات التي قمت بها وتمنّى لي ولفريق العمل النجاح.

لم أكن أعلم أن القصة ممنوعة، فأنا أتذكر جيداً أنني اقتنيت مجموعة قصص {كعيبر} من معرض الكتاب في الكويت قبل بضع سنوات.

وحين أخبرني الكاتب أن القصة ممنوعة، أعدت قراءتها بتمعّن وحاولت معالجة كل ما يمكن أن يكون سبباً للمنع.

قمت بذلك على مدى أسابيع من الكتابة وإعادة الكتابة ثم أخذت رأي الكاتب وغيره ممن أعتد برأيهم، إلى أن أصبح السيناريو متوازناً وليس فيه ما يعيب.

ما الإجراءات الرسمية التي قمت بها حرصاً على نجاح إنتاج العمل وإتاحة عرضه؟

للتأكد من ذلك خاطبت وزارتي الإعلام والأوقاف وأرسلت لهما نص السيناريو المعدّل للحصول على موافقتهما..

كان رد وزارة الإعلام أن الفيلم، إذا لم يكن المقصود منه العرض في دور السينما أو التلفزيون، فلا يحتاج إلى إجازة، ولم  يقرأوه تبعاً لذلك.

أما بالنسبة إلى وزارة الأوقاف، فقد أرفقتُ مع نسخة النص طلب توفير مسجد لنا للتصوير فيه،  وقد اطلعت الوزارة على النص ولم تجد فيه ما يمنع ووفرت مشكورة أحد المساجد  لنا كما طلبنا.

انعدام المساواة والعدالة الاجتماعية والفساد الإداري من القضايا التي طرحها الفيلم... إضافة إلى اختراق الوظائف التي تتطلب مؤهلات أكثر كفاءة لتوليها، مسددا الاتهام صراحة إلى ما يحدث في وزارة الأوقاف، فهل وجدت استجابة منها؟

ما فهمته من قصة {الإمام} هو أن الكاتب يناقش فساداً يجري في بلدنا بشكل ممنهج، وأن هذا الفساد قد طاول حتى المؤسسة الدينية التي يُفترض بها أن تكون أبعد مايكون عن شبهة الفساد.

وحيث أن غايتنا العثور على أفضل الحلول، فإن أمانة الطرح تتطلب منّا جميعاً مواجهة المشاكل وطرحها للنقاش العلني.  

ويبدو واضحا أن وزارة الأوقاف تفهمّت تماماً مغزى النص، كان يمكن أن تقع أحداث القصة في مستشفى ويكون عنوانها {الممرّض} أو في وزارة  ويكون عنوانها {رئيس القسم} أو مصنع ويكون عنوانها {العامل}.

الكارثة الإجرامية التي فجرها الإرهابيون في مسجد الإمام الصادق في الصوابر وراح ضحيتها أبرياء تهمتهم اختلاف المذهب.. أحد المتهمين فيها «إمام مسجد» يعد مرحلة متطورة من الصورة التي نقلتها في الفيلم، فهل كان ذلك ما تحذر منه؟

للمرة الأولى أعرف أن أحد المتهمين في تلك الجريمة هو إمام مسجد، وإن صحّت تلك الأخبار فهي محض صدفة، لكنها في الوقت نفسه دليل آخر على ما وصل إليه الحال في مساجدنا وما يجري فيها.

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر فقد جاء في تفاصيل تحقيق جريمة تفجير مسجد الصادق، ونشرته جريدة «الأنباء»، أن معاوني الإرهابي مرتكب التفجير شقيقان يخضعان لدورات تأهيل في الفكر المتطرف تتبع وزارة الأوقاف. ومن الواضح أن هذا بحد ذاته كارثة يجب مواجهتها فوراً.

 

المجتمع بحاجة إلى رسائل توعوية تسعف وضعنا الطارئ وتعالج الأسى الذي يحيط بنا ويدمر فينا،  فهل ستكون عملك المقبل؟

أنا فرد، وما تدعين إليه يتطلب جهود دولة، لكني أتفق معك تماماً على ضرورة تسخير كل إمكاناتنا من أجل التوعية العامة.

ومن هنا أهيب بوزارة الإعلام اتخاذ ما يلزم من أجل تنفيذ رسائل توعية بهذا الخصوص وبثها طوال العام.

هل ترى أن الأحداث الأخيرة ستكون  سبباً فاعلا لإعادة نظر المسؤولين في اعتباراتهم الرقابية؟

أعتقد أن هذا السؤال يُحتمل أن يُفهم بمعنى معيّن وآخر عكسه تماماً.

 المعنى الأول: هل سترخي الرقابة من قبضتها؟ والمعنى الثاني:  هل ستزداد الرقابة صرامة؟

وبناء على أحداث سابقة، أعتقد أن قراراتنا ومشاريع قوانيننا غالباً ما تكون

مجرد ردود أفعال آنية، فنحن لدينا المئات من القوانين غير المفعّلة، وأعتقد أن أي قرار سيصدر بخصوص الأحداث الأخيرة سيصّب في خانة   المزيد من المنع والتضييق على الحريّات.

يتجه العالم إلى إنتاج الأعمال المناهضة للإرهاب والتشدد الديني، شأنه شأن الكتابات الفكرية والإصدارات الثقافية والأعمال التشكيلية والموسيقية في العالم، كيف تجد واقعها في الكويت؟

واقعنا مؤلم فعلاً من النواحي كافة بما في ذلك واقعنا الثقافي والفني. للأسف، ما يسود الساحة الفنية هي الأعمال التجارية الرخيصة. أعمال تتهافت على المردود المادي من دون النظر إلى المحتوى. نعم، الناس يحتاجون إلى ترفيه لكنهم يحتاجون إلى أعمال تثير الجدل في واقعنا المليء بالمشاكل الخطيرة أيضاً. وإذا من نصيحة لشبابنا العاملين في مجال الإعلام، فستكون حول أهمية اختيار ومعالجة المواضيع الملّحة في المجتمع، والإقدام على تبّنيها بعقل منفتح  ونيّة صادقة سليمة.

ضمن أعمالك الكثيرة، أعددت ورشة للشباب لإخراج الأفلام القصيرة، إضافة إلى تنظيم ورش لكتابة النص السينمائي وإنتاجه، ما القضايا التي ستشجع الشباب عليها؟

سواء في الورش أو في المحاضرات أو اللقاءات العابرة بالشباب،  أحرص على تذكيرهم بأهمية اختيار أنواع المواضيع التي سيتناولونها في أعمالهم الفنية.

نحن مجتمع يعج بالمشاكل، وإن اتجه الشباب في أعمالهم إلى مواضيع الفانتازيا الفقيرة والرومنسية المنفرة وكوميديا التهريج وتراجيديا التاريخ وغضّوا أبصارهم عن الالتفات لمجتمعهم، فمن سيرفع لواء تثقيف المجتمع وتنويره؟

من مِن الكتاب الكويتيين الذين ما زلت تجد فكر التنوير وآماله حاضرين في كتاباتهم وأعمالهم؟

النقطة المضيئة في مجتمعنا المعتم هم كُتّابنا من الجنسين الذين تصدّوا للمواضيع المهمة في المجتمع وناقشوها من دون خوف.

وأشجّع الشباب العاملين في المجال الفني على الاطلاع على أعمال هذه النخبة من الكُتّاب، حيث سيجدون كنوزاً من المواضيع التي يجب الالتفات إليها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ومع احترامي وتقديري لباقي أدبائنا الكبار والصغار، فمن هؤلاء الكتاب المعنيين الذين كتبوا الرواية والقصة القصيرة، الأساتذة ليلى العثمان، اسماعيل فهد اسماعيل، وليد الرجيب، وأخيراً الرائعة بثينة العيسى وقطعاً عبد الله محمد العتيبي.

بين التلفزيون والسينما

تخرّج عامر الزهير في جامعة أريزونا -  الولايات المتحدة، وحصل على بكالوريوس الفنون المسرحية ثم على ماجستير في الإخراج والإنتاج السينمائي من جامعة لويولا ماريماونت في كاليفورنيا عام ١٩٨٨، بعد حصول فيلمه الدرامي القصير «جرعة حب»، وهو مشروع تخرجّه، على درجة الامتياز.

عمل في تلفزيون الكويت من 1978 الى 2000 وانتقل الى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وأسس مراقبة السينما في المجلس، التي نظمت، أثناء توليّه مسؤوليتها، مهرجان {السينما العربية المميزة} احتفالا بالكويت عاصمة للثقافة (2001).

 حرَصَ الزهير على عرض مجموعة من الأفلام الكويتية أمام ضيوف المهرجان من كبار مخرجي العالم العربي ونجومه الذين حضروا من أكثر من تسع دول عربية.

كذلك كتب الزهير وأخرج، أثناء عمله في المجلس {زيت على قماش}، فيلم وثائقي/ درامي طويل عن الفنان الراحل صفوان الأيوبي.

كتب وأخرج مجموعة من الأعمال التلفزيونية منها: {قصة شهيد}  (1993)، فيلم وثائقي/ درامي عن الشهيد أحمد قبازرد، وأخرج السهرة الدرامية التلفزيونية {صحوة} من تمثيل: عايشة ابراهيم، أحمد الصالح وباسمة حمادة.

 كذلك كتب وأخرج أول أفلامه الدرامية {القرار} بطولة: استقلال أحمد وعبد العزيز الحداد، وفاز الفيلم بـ {التانيت البرونزي}  في مهرجان قرطاج السينمائي (1984).

اشتهرت ثلاثيته السينمائية الوثائقية {عندما تكلم الشعب} عندما عُرضت على  جمهور خاص في بعض الجامعات والدواوين والسفارات ومؤسسات المجتمع المدني، لكن وزارة الإعلام لم تجز الجزء الأول (عن حقوق المرأة السياسية) ومنعت عروضه العامة بحجة تعارضه مع المصلحة العامة، وقد حصد الجزء الثاني من الثلاثية جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل في مهرجان الخليج السينمائي في أبو ظبي ( 2008).

وفي العام التالي حصل الجزء الثالث على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

back to top