ترحيل ومقاطعة

نشر في 12-09-2015
آخر تحديث 12-09-2015 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف ها قد فعلت إيران ما فعلت ولم تعتذر إلينا عما فعلت، فبعد أن سربت عبر مياهها الإقليمية الأسلحة لقتل مواطنينا وتدمير وطننا، وعلى الرغم من عدم اعتذارها فإنها ماضية فيما اعتزمت عليه؛ لأنها اعتادت على سكوتنا عن أعمالها العدائية، وسيعقب عملها استدراج عروض لتطوير حقل الدرة البحري النفطي وضع يدها عليه باستخدام القوة المسلحة إذا ما اقتصر الرد من جانبنا على اللجوء إلى الأمم المتحدة، ولم نقم عمليا بتعزيز قوتنا البحرية المرابطة هناك.

ليس بالضرورة أن تنتصر في كل صراع تخوض غماره لكن الضرورة تقضي أن يشعر خصمك أنك على استعداد لخوضه طبعا، النصر شيء جميل ومطلوب لكن هذا لا يعني أن تشترط تحقيق النصر، وإلا امتنعت عن تجريد سيف أو تنكّب قوس، وخير لك أن تشتبك مع خصمك فتهزمه أو يهزمك من أن تحقّر من قواك وتتخوف من العواقب، وليس بالضرورة أن يكون ردك باستخدام السلاح إنما يمكن أن يتخذ ردك أشكالا عدة، ففي حالة حقل الدرة فإن اعتداء إيران تمثل باستدراج عروض لتطوير هذا الحقل؛ مما يعطيك الحق في أن ترد بسن قانون يتيح لك ترحيل من تراه من مواطنيها الذين يتكسبون على أرضك وإعداد قائمة بالسلع الإيرانية التي تنوي مقاطعتها في حال طورت إيران من إجراءاتها التي اتخذت بشأن هذا الحقل.

لقد توقعنا هذه الأعمال من طرف في حرب بدأت رحاها تستهلك قدراته وتنهك قواه، فقد بدا يعاني أعراض نجاح عمليات عاصفة الحزم على الساحة اليمنية، ولأنه لم يستطع المواجهة بالقوة العسكرية المسلحة هناك فإنه ضحى في لبنان بقائد حزب الله في المملكة العربية الشقيقة، الذي قاد عملية تفجيرات الخبر منذ عدة سنوات أملا في أن تجنح المملكة إلى تغليب الحل السياسي الذي أراده في المسألة اليمنية، أما على الساحة الكويتية فإنه لجأ إلى الجلبة والضوضاء ليغطي على فعلته في تهريب الأسلحة إلى الكويت في عمل يفهم مغزاه، وهو أن تغض الكويت طرفها عمن تعاونوا معه في إخفاء هذه الأسلحة انتظارا لما هو أخطر في قادم الأيام.

حكومة الجمهورية الإسلامية التي جاءت بها ثورة الخميني في عام 1979م لا تختلف عن حكومة الإمبراطورية الشاهنشاهية قبل هذا التاريخ، فكلا الحكومتين تنتهج النهج الاحتلالي التوسعي، فقد حدث بتاريخ 20/ 4/ 1925م أن تواطأت حكومة الشاه رضا بهلوي والد شاه إيران المخلوع مع حكومة المحافظين البريطانية بزعامة ستانلي بولدوين (وبحكم هيمنة بريطانيا على العراق كنتيجة لاتفاقية سايكس بيكو) على التهام إيران إقليم الأحواز العربي (عربستان) الذي كان جزءا من الدولة العراقية، ويقع شمال الخليج العربي في مقابل أن تقلص الدولة الإيرانية النفوذ الروسي فيها، فإليك أيها العربي هذا الاستخفاف بالأرض العربية، وهذا الثمن البخس الذي قبضته بريطانيا مقابل فقدان العراق لما مساحته 185.000 كم2 (ثلثا مساحة بريطانيا) الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عما إذا كان باستطاعة بريطانيا انتزاع هذا الإقليم مرة ثانية من إيران كعقوبة لها بعد أن عادت العلاقات الإيرانية الروسية إلى أوجها متجلية مظاهرها على الساحة السورية؟

من هذه الحادثة وغيرها يتضح أن زحف حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على حقوق جيرانها ليس بالجديد، فقد سبق لها أن استولت على حقل الفكة البترولي داخل الأراضي العراقية، وفي زمن ربيبها وصنيعتها نوري المالكي رئيس حزب الدعوة الذي يأتمر بأمرها، فإذا كانت قد فعلت هذا الفعل مع أصدقائها فهل تتورع عن فعله مع من هم في خانة الأعداء؟

بعد انتصار إيران الشاه محمد رضا بهلوي في فرض شروط اتفاقية الجزائر على العراق في عام 1975م التي استولت إيران بموجبها على نصف مياه شط العرب، وجعل نقطة الحدود الفاصلة بينهما تكمن في أعمق جزء من هذا المجرى المائي حسب نقطة حد التالوج الدولية، ولأن شط العرب يزحف باستمرار إلى داخل الأرض العراقية مما يعني أن إيران تكسب المزيد من الأرض العراقية باستمرار زحفه، ومع شعور الطرف العراقي بهذا الغبن الذي وقع عليه بسبب اضطراره لتوقيعها تخلصا من ضغط الأكراد في الشمال العراقي، ومع استمرار حكومة الجمهورية الإسلامية باحتلال المزيد من الأرض العراقية في نهاية عقد السبعينيات الماضي، والمتمثلة بالمخافر الحدودية في منطقتي سيف سعد وزين القوس فإن العراق الذي أهدر الجانب الكبير من أرضه انتهز فرصة هذه الأعمال العدائية المستمرة على هذا الجانب الصغير من أرضه وقام بتمزيق اتفاقية الجزائر، وأعلن الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عهد الخميني.

الأمم المتحدة ليست معنية كل العناية بما يحدث لنا، فهي أممية الاهتمام، وهناك قضايا كثيرة تنظرها مما يجعل قضايانا في المؤخرة، وهي تعلم أن كثيرا من حقوقنا عرضة للضياع بسبب ضعفنا وعدم قدرتنا على التأثير عليها كعرب مجتمعين، فما بالكم إذا كان الشاكي دولة صغيرة منفردة شغلت العالم بقضيتها قبل ربع قرن، فتعاطف معها حينذاك، بيد أن هذا لا يعني استعدادها الدائم لإيلاء أي من قضايانا، كقضية الاستيلاء على حقل نفطي، الاهتمام الذي نرجوه، وكأنه ليس لها ما يشغلها إلا نحن، هذا من جانب ومن جانب آخر فإنه ينبغي ألا نبخس إيران قدرتها على التأثير في قرارات الأمم المتحدة التي هي محكمة يترافع أمامها وكيل دفاع خصمك كما يترافع أمامها وكيل دفاعك أنت، والذي يمكن أن يكون أقوى حجة، كما أن أقصى درجات التقاضي فيها هو مجلس الأمن الدولي الذي لإيران فيه من قوة وسند ما يبطل سندك وقوتك، متمثلا بوجود روسيا الاتحادية.

 كل هذه الاعتبارات تفرض علينا مواجهة مشاكلنا بشيء من قوانا الذاتية التي لم نوظف أيا منها في يوم، فنحن دولة منفتحة على جميع دول العالم التي تتمنى أن تصدر إلينا سلعها وخدماتها، وتوفد مواطنيها للعيش والتكسب على أرضنا مما يجعلنا في وضع أقوى إزاء الدولة الإيرانية، فلماذا نقصر تعاوننا أو جزءاً كبيرا منه عليها، فنحن نصدر إلى إيران الأموال النقدية السائلة تسكن في بنوكها ولحساب مواطنيها، وهي تصدر إلينا السلاح المهرب رغبة منها في تهديد أمننا، فلماذا نشتري بأموالنا عللا ومصائب؟

back to top