خاص

أستاذ التفسير بجامعة الأزهر د. وليد مطر لـ الجريدة.: كلنا مُقصرون وعلى علماء الأزهر مقاطعة الفضائيات

● «داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية ملحدون»
● «المؤسسات الدينية تحتاج إلى صحوة قلبية»

نشر في 02-07-2016
آخر تحديث 02-07-2016 | 00:03
د. وليد مطر
د. وليد مطر
وصف أستاذ التفسير في كلية الدراسات الإسلامية، بجامعة الأزهر، د. وليد مطر، المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» بأنهم ملحدون، ورفض في مقابلة مع «الجريدة» ما يسمى بتجديد للخطاب الديني، وأرجع عدم وجود تفاسير جديدة للقرآن الكريم إلى عدم وجود اجتهاد من جميع العلماء، مشددا على ضرورة تصحيح مسار الدعوة.. وإلى نص المقابلة.
● ما مدى حاجتنا إلى تفسير القرآن الكريم؟

- لا شك في أن القرآن هو كتاب الله، المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي وضعه الله تعالى دستورا في الأرض، ليمشي الناس على هداه، حتى يصلوا إلى الغاية المرجوة عند الله تعالى، وهي نشر السلام والعدل والمحبة، بين الخلق أجمعين، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً... كتاب الله وسنتي"، ففهم القرآن هو الأساس في نشر الإسلام، ورفعة المسلمين، وهذا يعتمد على فهمنا لتفسير القرآن أو تأويله وتطبيق ذلك فعليا، وأن نستمع إلى تفسيرات جديدة، أو تأويلات جديدة، ولا نعتمد على التفاسير القديمة فقط، فالقرآن بكر إلى يوم القيامة، وفيه الكثير والكثير، ومهما أخذنا من القرآن فنحن لم نأخذ منه شيئاً، لقوله تعالى في سورة الكهف "قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "(سورة الكهف: 109)، فكل حرف في القرآن له معنى كبير ينفع في خير الدنيا والآخرة.

● ما شروط من يقوم بهذه المهمة؟

- أن يكون مؤهلا علميا، تعلم في مؤسسة معترف بها عالميا وإسلاميا كالأزهر مثلا، بحيث ينال من الشهادات ما يؤهله لممارسة عمله، لكن يؤخذ منه ويرد عليه، فتأويل القرآن له متخصصون، وإلا أصبح ليّا للنصوص، فليس كل إنسان مؤهل لهذه المهمة.

● ماذا إذا كانت هذه المؤسسات مخترقة من بعض التيارات المتشددة؟

- قلنا إن أي متخصص يؤخذ منه ويرد، وهناك من العلماء من يراجعه، ويفند تفسيره لكلام الله عز وجل، فهنا متخصص يراجع متخصص، لكن المقصود بغير المؤهلين أدعياء السلفية، وأصحاب الطرق، أو مشايخ الفضائيات.

● كيف نواجه ظاهرة العشوائية الدينية على الفضائيات؟

- يجب على كل عالم منتسب للأزهر التوقف تماما عن الظهور في الفضائيات، لينكشف زيف أدعياء العلم، ثم بعد ذلك يعلم الناس الحق من الباطل، لكن مع الأسف الشديد أن أي مناظرة في قضية دينية، ويواجه عالم الأزهر شخصا معارضا للتعاليم الإسلامية، أو شخصا ملحدا مثلا، نجد في نهاية الحلقة يظهر الشيخ أو عالم الأزهر أنه ضعيف علميا، فهذه القنوات تختار ضعاف العلماء ليتحدثوا لتحقيق مزيد من الشهرة والأرباح للقناة، فالعالم المتمكن لا يناظر الملحدين، لأن مجرد الجلوس معهم يحقق لهم الشهرة، لذلك على كل عالم من علماء الأزهر خاصة، الابتعاد تماما عن الفضائيات، إلا إذا كان يقدم برنامجا مستقلا يقدم فيه الدين الوسطي السليم للناس، لكن برامج المناظرة وبرامج الإنترنت لا تصلح.

● ما السبب في تزايد ظاهرة الإلحاد؟

- أسباب عدة، أولها ضعف عزيمة العلماء في كيفية توصيل المعلومات الدينية الصحيحة للناس، أيضا ما ظهرت الفتن، وما انتشرت إلا بسبب شيء واحد، وهو أن الناس أصبحوا لا يهمهم الكسب الحلال، فيقول تعالى "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى" (سورة البقرة 197)، والتي تعني الاقتراب من أوامر الرحمن، والابتعاد عن أوامر الشيطان.

● الرؤى المتشددة التي ظهرت في أعقاب ثورات الربيع العربي، ألا يمكن أن تكون هي السبب في تزايد ظاهرة الإلحاد؟

- إذا تكلمنا عن قضية الإلحاد نفسها، فالإلحاد نوعان، نوع ينكر وجود الله والأنبياء والأديان، وآخر يؤمن بوجود الله، بل ويتخذ "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، سلاحا له في الإلحاد، حيث يقتل ويحرق ويعتدي ويكفر الآخرين باسم الدين، فالنوع الأول من السهل أن يعود إلى صواب الدين، حينما نتحدث معه ويقتنع، أما النوع الثاني فمن الصعب إعادته لصواب الدين، لأنه لن يستمع إليك، لأنك في نظره كافر، أو مارق عن الدين الذي يعتقده.

● معنى ذلك أن المنظمات الإرهابية مثل "داعش" والذي يقتل باسم الدين ملحدون؟

- نعم، المنتمون لـ"داعش"، والتنظيمات التي على شاكلته ملاحدة، ولو كان هناك لفظ أقسى من الإلحاد كنا قلناه، فالديانات السماوية كلها متفقة على الأخلاق والسماحة والمحبة والسلام وعدم الاعتداء.

● ماذا عن دور المؤسسات الدينية؟

الكل مقصر في عمله، بمعنى المؤسسات الدينية تحتاج إلى صحوة قلبية، وأن تنتزع من قلبها الخوف، وتوجه وجهها وعملها لله تعالى، فلا تعمل إلا الحق، ولا تقول إلا بالقرآن، الذي يقول "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا" (سورة الأنعام 152)، ولابد أن يكون للمؤسسات الدينية الرسمية كلمة في ما يبث من البرامج التي تشوه الإسلام ومنظر المسلمين داخليا وخارجيا، وأن تسعى جاهدة إلى أن تبطل كل برنامج يتكلم باسم الدين في أي قناة فضائية، وألا يتحدث فيها إلا من هو معترف به من هذه المؤسسات الدينية، حتى تستطيع أن تحاسبه بعد ذلك، وأن يكون لها رقابة على الآراء الدينية الموجودة في الكتب الدراسية، حتى لا يبث فيها أشياء تضر بالدين والمجتمع.

● يرى البعض أن الهوة الشاسعة بيننا وبين عصر التفاسير أدى لعدم فهمنا للقرآن وظهور ظواهر سلبية في المجتمع الإسلامي من عنف وانحلال وإلحاد... ما رأيك؟

- ذلك لأننا لم نستطع أن نمارس التدبر والتفكر في القرآن الكريم، بما يوافق العصر الذي نعيش فيه، وهذا بسبب عدم وجود اجتهاد من جميع العلماء، فنحن نريد أن نقول إن القرآن له تأويلات جديدة تناسب عصرنا، لكن ينقصنا الاجتهاد، والتفكر، والتدبر، ولن يحدث التفكر والتدبر إلا بشروط معينة، أولها، الإخلاص في العمل، وثانيها، دعوة الناس إلى كسب المال الحلال.

● ما رأيك في الدعوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني؟

- لست مع تجديد الخطاب الديني، لكنني مع تأهيل وتجديد الداعية، بأن يفهم خطاب الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشكل صحيح، فيوصله للناس بشكل صحيح، وبأسلوب سهل بسيط يصل لكل الناس على اختلاف مستوياتهم الذهنية والعلمية، لقوله تعالى "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ" (سورة الأنعام: 151)، وعلى الداعية الابتعاد عن الألفاظ غير المتداولة، فينفر منه العامة، لأنهم لن يفهموا منه شيئا، فيتجهون إلى أدعياء العلم في القنوات الفضائية التي تأتي بأناس غير متخصصين للضحك على العقول فيصدقوها، فتجد مثلا من يتحدث في السحر والشعوذة والناس تحب هذا الكلام، وهناك من يتحدث عن الدين بطريقة معينة قد تضل الناس، فلابد من تصحيح مسار الدعوة، بأن يفهم العلماء تعاليم الدين أولا ثم ينقلوها للناس، بأن يعتمد الداعية على الوسطية في الخطاب، فهي التي تؤدي إلى أن يفهم الناس الخطاب، ويتفاعلون معه، خاصة إذا كان هذا الخطاب من القلب.

لست مع تجديد الخطاب الديني... بل ينبغي تجديد الداعية
back to top