تدابير روسيا المضادة لحلف شمال الأطلسي لن تتأخر

نشر في 16-05-2016
آخر تحديث 16-05-2016 | 00:01
 بروكينغز عندما يجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في وارسو في الثامن والتاسع من يوليو، سيكشفون عن خطوات لتعزيز وجود قوات الحلف التقليدية في الجزء الشرقي من أوروبا، كذلك سيعلن الناتو قريباً أن نظام الدفاع الصاروخي SM-3 في رومانيا أصبح جاهزاً للاستعمال، ولا شك أن هاتين الخطوتين ستدفعان الكرملين إلى الإعلان بضجة كبيرة عن "تدابيرة مضادة" عسكرية، ولكن هذه ستكون على الأرجح خطوات تنوي روسيا اتخاذها في مطلق الأحوال.

دفع حشد روسيا العسكري، سيطرتها على القرم وضمها إلى أراضيها بطريقة غير مشروعة، ودعمها الحركة الانفصالية المسلحة في شرق أوكرانيا الناتو إلى التركيز بقوة على الدفاع عن الأراضي خلال السنتين الماضيتين. وستوافق قمة وارسو على عدد من الخطوات في هذا المجال.

ومن الأفكار المطروحة نشر كتيبة من قوات دول أعضاء في الناتو، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، في كل من دول البلطيق وبولندا، ومن المؤكد أن هذه الخطوة لن تكون كافية للدفاع عن هذه الدول، فقد كشفت دراسة أجراها معهد راند عام 2015 أن هذه الدول تحتاج إلى سبعة ألوية، بما فيها ثلاثة مزودة بأسلحة ثقيلة، لتحاول وقف هجوم روسي كبير، ولا شك أن هذا يتخطى قدرات الحلف في الوقت الراهن. علاوة على ذلك، ستستفز قوات مماثلة روسيا كثيراً، بما أنها تنشر قدرات هجومية برية عالية القدرة على بعد أقل من 400 كيلومتر عن سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا.

لكن هذه الكتائب الصغيرة ستشكّل بدلاً من ذلك صمام أمان عالي المصداقية، لأن تعرضها لهجوم يضمن انضمام الحلفاء إلى القتال.

تدابير مضادة روسية

لن ترحّب موسكو بأي من هذه الخطوات، ولن تتقبل إعلان بدء عمل نظام الاعتراض الصاروخي الأميركي SM-3 في رومانيا، الذي يهدف إلى الدفاع عن جنوب شرق أوروبا ضد أي هجوم صاروخي بالستي، ولا شك أن الروس سيعبّرون بوضوح عن امتعاضهم، لذلك من الضروري أن يستبق الغرب إعلانات روسيا الغاضبة عن تدابيرها العسكرية المضادة.

سبق أن مررنا بحالة مماثلة، ففي شهر سبتمبر الماضي، أشار تقرير تلفزيوني ألماني إلى أن قنابل نووية أميركية من نوع B61-12 ستُنشر قريباً في قاعدة بوتشيل الجوية في ألمانيا، كان هذا التقرير عارياً عن الصحة، فلن تدخل قنابل B61-12 إطار التصنيع المتسلسل قبل عام 2020، ومن المؤكد أن الروس عرفوا ذلك، بما أن وزارة الطاقة سبق أن أعلنت جدول مشروعها الزمني.

رغم ذلك، جاء رد فعل المسؤولين في موسكو مبالغاً فيه، فقد حذّر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيشكوف بشدة: "سيبدل هذا ميزان القوى في أوروبا، ومما لا شك فيه أنه سيدفع بروسيا إلى اتخاذ التدابير المضادة الضروري لإعادة ترسيخ التوازن والمساواة الاستراتيجيين".

كذلك اقترح رئيس هيئة الأركان العامة السابق يوري بالويفسكي أن ترد روسيا بنشر صواريخ إسكندر البالستية القصيرة المدى في منطقة كالينينغراد شمال بولندا. وأعلن أيضاً عضو المجلس الفدرالي فيكتور أوزيروف أن روسيا قد تنسحب من معاهدة 1987 التي تحظر استعمال الصواريخ المتوسطة المدى.

تنشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد كتدبير مضاد، توقّع المحللون الغربيون نشر هذه الصواريخ قبل بضع سنوات ضمن إطار عملية تحديث الجيش الروسي المتواصلة. ففي مطلع عام 2015، صرّح مسؤول في وزارة الدفاع الروسية أن هذه الصواريخ ستُنشر في كالينينغراد، وكانت روسيا قد نشرت مؤقتاً وحدات مزودة بهذه الصواريخ في تلك المنطقة كجزء من تدريبات الجيش الروسي.

يشمل تدبير مضاد محتمل آخر في منطقة مجاورة لرومانيا هذه المرة نشر صواريخ إسكندر وقاذفات قنابل "باكفاير" في القرم. وهذا التدبير أيضاً لا يُعتبر جديداً، فقد بدأ العمل على خطط مماثلة منذ أكثر من سنة، وفق مسؤول وزارة الدفاع الروسي عينه.

أما استغلال قرارات الناتو لتبرير الانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى، فيُعتبر خطوة روسية أكثر قوة، إلا أنه لا يشكّل تدبيراً مضاداً بحق، فقد شكك مسؤولون روس بارزون، بمن فيهم رئيس الديوان الرئاسي الروسي سيرغي إيفانوف والرئيس فلاديمير بوتين نفسه، بالتزام موسكو بهذه المعاهدة قبل ثماني سنوات تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، سبق أن انتهكت روسيا هذه المعاهدة بإجرائها تجارب على صواريخ جوالة محظورة متوسطة المدى تُطلق من البر.

تكتيك الكرملين القديم

يشكّل تصنيف روسيا برامجها العسكرية كتدابير مضادة لخطوات الغرب العسكرية تقليداً قديماً يعتمده الكرملين. على سبيل المثال، خلال التفاوض بشأن القوات النووية المتوسطة المدى في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، اعتبر كبير المفاوضين السوفيات نشر الصورايخ السوفياتية البالستية من نوع SS-20 رداً على صواريخ Pershing II الأميركية، وأعلن ذلك بكل جدية، ما أثار دهشة نظرائه الأميركيين، بما أن صواريخ SS-20 كانت قد نُشرت عام 1976، أي قبل سبع سنوات من Pershing II.

نظراً إلى عدائية موسكو الأخيرة، لا يملك الناتو أي خيار غير اتخاذ خطوات منطقية تعزز دفاعاته كي يطمئن الحلفاء الذين تخيفهم أعمال روسيا، ويردع الكرملين عن الإقدام على أي خطوات متهورة، ولكن يجب أن يستعد أعضاء الناتو لفيض من الاحتجاجات والإعلانات عن خطوات تتخذها روسيا كتدابير مضادة، ومن الضروري أن يفهموا أيضاً أن روسيا كانت ستقدِم على هذه الخطوات في مطلق الأحوال.

* ستيفن بيفر

back to top