فاتورة الحرمنة!

نشر في 26-04-2016 | 00:00
آخر تحديث 26-04-2016 | 00:00
كثرت الاجتهادات من قِبل البعض في الفترة الأخيرة بشأن تقييم إضراب العاملين في القطاع النفطي، فمنهم مَن ألقى باللائمة على العمال، وآخرون على الحكومة، وفريق ثالث أدان كلا الطرفين.

إلا أن الحقيقة لا تخفى على أي مراقب عادل للوضع العام في الكويت، فالمسألة تتعلق، بصورة مباشرة، بكيفية معالجة العجز المالي للدولة، بعد انهيار أسعار النفط، الذي بلا شك هو أمر مزعج ومؤلم في الوقت نفسه، ما يتطلب معالجة جدية.

وفي المقابل، ما بدر من الحكومة لمعالجة هذا الإضراب أحدث غضباً عارماً لدى الكويتيين، باستثناء قوى الفساد المتحكمة بمفاصل الدولة المالية، والمستفيدة من التراخي الحكومي بعدم محاسبتهم وتقديمهم للعدالة، أو إحضار مَن ثبتت عليهم التهم.

اذكروا لي، كم من شخص واحد حُوسب أو تمَّت ملاحقته؟ باستثناء حادثتين، الأولى المتعلقة بـ"فراش البلدية"، والثانية لشخص اعترف بجريمته وأُودع السجن، في حين أن زملاءه في الجريمة يعيشون بيننا، منعَّمين مكرَّمين. وما يزيد الطين بلة، ما يصدر من تهديد، بتعرية وابتزاز المشتركين معهم في السرقة من كبار المسؤولين.

شعور الغضب لدى عموم الشعب الكويتي، الذي سطَّر بطولة رائعة في دحر العدوان الصدامي على الكويت، حيث قدَّم الغالي والنفيس في الدفاع عن وطنه، يجب ألا يُنسينا الجو العام السائد في البلد، فالمَطَالب باسترجاع أموالنا المنهوبة على رأس الأولويات، فقد قدمنا كل شيء من أجل وطننا. تلك حقائق لن يستطيع أحد طمسها، رغم تجاهلكم لها، لكننا هذه المرَّة لن نتطوَّع لسداد فاتورة حرمنتكم... وهذا الشعور العام السائد في البلد لم يخلقه المضربون.

حادثتان وقعتا في وقت واحد بالصدفة، كانتا سبب المواجهة بين العاملين في القطاع النفطي والمافيا المالية المسيطرة على موارد الدولة، وهما دمج الاستثمارات النفطية المالية باستثمارات الدولة، التي تعاني خللاً خطيراً من دون محاسبة.

أما الحادثة الثانية، فهي انتفاضة عمال النفط على نقابتهم، التي هُجنت من قِبل المسؤولين بمزايا كثيرة أبعدتهم عن هموم ومشاكل العاملين، وانتخابهم كوكبة شبابية جديدة رافضة للوضع السابق.

إن القوى العاملة النفطية تعيش مأساة، بسبب ترك الأمور للمافيا المالية لإدارة المشاريع النفطية المتعثرة، ما سبَّب خسارتنا بلايين الدولارات، نتيجة عدم الالتزام بمقاييس السلامة والأمانة في تنفيذ المشاريع، ولا حاجة لأيٍ منا تحمُّل عناء البحث لرصد ذلك، فالحوادث المفجعة متكررة في هذا القطاع، ومعروفة للكثيرين، رغم محاولات التعتيم عليها، ويكفينا مثلاً الاطلاع على تقارير ديوان المحاسبة، للتعرف على بعضها.

إن الخسائر التي صاحبت الإضراب لم تكن في مصلحة الحرامية، فقد حافظ العمال على المخزون النفطي في باطن الأرض، بدلاً من أن يذهب إلى جيوب المافيا المالية المخترقة للنظام والسلطات الثلاث.

لقد كان حرص المضربين شديداً، للتأكد من أن الخدمات الضرورية لإنتاج النفط لن تتأثر، وكذلك حماية المنشآت النفطية، فكثيرون كانوا يحملون "باج" الإضراب وهم يقومون بواجباتهم وأعمالهم، إلا أن عناد الحكومة المشبوه يجب أن تُعرف مسبباته، وأن حُجتها بـ "الهيبة"، وعدم قبول "سياسة لي الذراع" كلام شوارعي (محاذف فرجان) لا يصدر من مسؤول عاقل، فمصلحة البلد فوق كل اعتبار.

لم تكن هناك مفاوضات بين الأطراف، بل مجرد صراخ وتهديد بالطرد والإحالة إلى أمن الدولة بأوامر من جهات عليا، وكأن المضربين خونة للوطن.

هل انتهت المعركة؟

حتماً لا.

فالمافيا المالية يسيل لعابها على بلايين النفط، وتتمتع بسلطة كافية للاستمرار في المجابهة، بعكس عمال النفط، الذين سارعوا إلى إنهاء الإضراب، بعد أن صدَّقوا ما نُقل عن "المسؤول"، في الوقت الذي صدر نفي رسمي بوجود اتصال مع المضربين، وهو الذي تأكد فيما بعد بالصوت والصورة، فهذا موقف مشرف، فلماذا التنصل منه؟

أعداد المضربين تزايدت يومياً، وأخذت تكتلات المجتمع المدني بالتحرك، كما أعلنت اتحادات عمالية عالمية ومنظمات دولية تأييدها، وقد حضر بعضها إلى الكويت، للتأكد من مدى التزام الحكومة بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها ووعدت باحترامها، لأن تجاهلها لهذه الاتفاقيات يفرض عليها عقوبات كدولة عنصرية، أي جنوب إفريقيا ثانية، التي انهارت سلطاتها بعد تعرضها لعقوبات قاسية لم تتوقع أن تطبَّق عليها.

يبدو أن "الجماعة" هنا ماضون في مخطط وُضع لدول مجلس التعاون، لتفادي ما يزعجهم من منغصات، فمشاريع الدولة المهمة كلها سيتم تسليمها للقطاع الخاص المنغمس في الفساد، لا القطاع الخاص المعروف بوطنيته واستقامته، فالقطاع الفاسد سيحرص على الاعتماد على العمالة الأجنبية، وسوف تلجم كل وسائل الاحتجاج، وكذلك سيتم إخضاع كل مؤسسات المجتمع المدني للدولة، وهذا ما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبذلك يصبح المجتمع كله كالببغاء، التي تغني ما يلقنه لها أهل الدار وأصحاب القرار.

العمال لم يهزموا، وكما انتصروا في هذه الجولة، فهم قادرون على تعزيز هذا الانتصار، فالحق معهم، والإرادة موجودة، و"إن ينصركم الله فلا غالب لكم".

back to top