الأزمات تقرّب المتطرفين من السلطة

نشر في 31-01-2016
آخر تحديث 31-01-2016 | 00:01
 ذي تيليغراف هل  من بين كل الوزراء، والأمراء، وقادة الأحزاب، والدبلوماسيين الذين عملت معهم كوزير خارجية، كان وزراء الخارجية الأميركيون الأكثر تميزاً، صحيح أن هيلاري كلينتون وجون كيري مختلفان تماماً في عادات عملهما، إلا أنهما مميزين بطاقتهما، وأفكارهما، وعمقهما الفكري.

يشمل فيض الجمهوريين المرشحين للرئاسة سياسيين أمثال جون كاسيتش، حاكم أوهايو الذي يدير ولاية كبيرة بفاعلية، فضلاً عن أنه محافظ معتدل منطقي.

لا شك أن انتخابات أخرى بين بوش وكلينتون ستشكل انعكاساً محزناً للديمقراطية الأميركية بطرق عدة، بالإضافة إلى ذلك، ستسمح لنا، نحن البريطانيين، بالسخرية مطولاً من أمة بذل مؤسسوها جهداً كبيراً لتفادي السلطة السياسية المتوارثة.

تفصلنا أيام قليلة عن الجولة الأولى من الانتخابات، وتوشك هيلاري كلينتون أن تواجه الخسارة على يد بيرني ساندرز. التقيت به أيضاً: رجل جاد وقوي الشخصية، إلا أنه اشتراكي حقيقي وسيحاول تحويل الولايات المتحدة إلى دولة شبيهة ببلدان كثيرة تتفوق عليها باستمرار.

في المقابل، تراجع شعبية بوش وغيره من الجمهوريين المعتدلين في استطلاعات الرأي إلى معدلات يحققها عادةً ليبرالي يخوض الانتخابات الفرعية في منطقة بوتل، في حين أن نتائج دونالد ترامب المذهلة تطيح على ما يبدو بكل ما يقف أمامه.

لم يسبق لي أن التقيت بترامب، مع أنني واثق من أن لقاء مماثلاً سيكون مذهلاً، ولكن لمَ يبتعد الناخبون في أعظم ديمقراطية في العالم عن القادة المتمرسين ليختاروا أشخاصاً محدودي الخبرة يطرحون أفكاراً ساذجة على نحو مقلق؟ يعود السبب في جزء منه إلى التحول إلى سياسة ثقافة تلفزيون الواقع، التي تُعتبر فيها الشخصية الواضحة الصريحة في الظاهر، التي لا تملك أي سجل معقد عليها تبريره، الشخصية الفضلى.

ولكن ثمة تفسير إضافي أيضاً أكثر أهمية وخطورة: ينتشر بين ناخبي الأمم الغربية غضب حقيقي وخيبة أمل عارمة، فهذا هو الغضب ذاته الذي أدى إلى بروز مارين لوبان، وجيريمي كروبين، ونايجل فراج، واليسار اليوناني المتطرف، كذلك ساهم هذا الغضب في ترؤس ممثل فكاهي ثاني أكبر حزب في إيطاليا.

دمرت الأزمة المالية بضربة واحدة سمعة الكثير من المصارف العامة، وبرهنت أن المصارف المركزية أساءت على نحو فادح الحكم على كامل النظام الذي ترأسه، وأظهرت للحكومات التي تتخبط وسط الأزمة أنها لم تتوقع ما ستواجهه، وسلبت مواطنين كثيرين مصدر قوتهم وأحلامهم المستقبلية بدون أي سبب منطقي واضح.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي خصوصاً غضباً عاماً مضاعفاً في الوقت الراهن نتيجة رد الفعل غير المدروس وغير الفاعل تجاه أزمة الهجرة المتفاقمة.

لن تنجح لوبان في أوروبا قريباً في الفوز بالسلطة، شأنها في ذلك شأن دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الوشيكة، مع أن خسارتهما ستأتي بفارق بسيط، ولكن مع فقدان الثقة المتنامي بالقادة القائمين في بعض البلدان لن تفصل هذين السياسيين وآخرين من أمثالهما، ممن سيظهرون خلال السنوات المقبلة، عن الإمساك بزمام السلطة سوى أزمة كبيرة جديدة.

تُعتبر الاعتداءات الإرهابية الخطر الأكبر الذي يهدد أمن الأمم الغربية وحياة مواطنيها، صحيح أننا لم نتمكن بعد من الإطاحة بهذا الخطر، إلا أنه لن يزعزع أنظمتنا السياسية، وعلى العكس ستنشأ الأزمة التي قد توصل السياسيين المتطرفين والمستقلين إلى السلطة في بعض الدول الكبيرة من فقدان السيطرة على الهجرة وتجدد الكارثة المالية.

تسعى الحكومات المتعقلة إلى خفض عجزها، إلا أن المصارف المركزية تبقى صاحبة القرار الأهم بشأن معدلات الفائدة وعرض الائتمان، ولكن بعد ثماني سنوات من المعدلات الشديدة الانخفاض والتسهيل النقدي، الذي تخلت عنه الولايات المتحدة بتردد، هل نحن واثقون من أن المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة لا يراكمون الكثير من الديون ويكدسونها في منازلهم؟ أم من أن النظام المالي لا يعتمد بإفراط على المال السهل؟

قد تكون العقول الفذة في الاحتياطي الفدرالي الأميركي أو البنك المركزي الأوروبي أو بنك إنكلترا محقة، ولكن إن كانت مخطئة، فسيتفاقم سخط الناخبين الغاضبين أساساً متخطياً كل حد.

وليام هيغ

back to top