البرلمان... تصحيح الاختيار

نشر في 23-09-2014
آخر تحديث 23-09-2014 | 00:01
 خالد الجري مسؤولية القول والعمل أمانة ثقيلة يحملها الإنسان رغماً عنه، ليحاسَب عليها ويلقى جزاءه على كل ما نطق به لسانه وكل ما اقترفته يداه، لذا عليه أن يعدّ عدته وأن يجهز نفسه لمحاسبةٍ لا تترك صغيرة ولا كبيرة... إنه العدل الإلهي المطلق الذي لا يعرف محاباة ولا مجاملة ولا تسيباً، ومن هنا جاء قوله تعالى "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" حاسماً مقرراً مبدأ الجزاء العادل والمراقبة التي تدفع إلى تحسين العمل خوفاً من المساءلة والمحاسبة.

إنها المراقبة... رسالةٌ ودستور وقانون لضبط إيقاع الحياة في المجتمع، فلكل كيان في الدولة جهة تراقب أداءه، إذ لو غاب مبدأ المراقبة بين البشر لاختلط الحابل بالنابل، ولعمّت الفوضى البلاد.

ففي اليونان القديمة، كان الشعب يجري انتخابات سنوية لاختيار أسوأ سياسي على مستوى الدولة، ومَن يحصل فيها على أكبر عدد من الأصوات يتم نفيُه إلى خارج البلاد في نوع من التحفيز والردع معاً، لكي يقدم جميع السياسيين أفضل ما عندهم، مما يصب في مصلحة البلاد والعباد.

وبما أن المادة ٦ من الدستور تنص على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور"... فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: لماذا لا يتم تفعيل تلك المادة بطريقة تضمن سير الأمور بمعزل عن المشاكل السياسية والتصعيد الذي قد ينعكس سلباً على أمن البلاد عبر التظاهرات التي قد تؤدي إلى الفوضى؟ فلمَ لا يتم تشريع قانون شبيه بالقانون اليوناني مع مراعاة بعض التعديلات عليه، بحيث يتم تنظيم انتخابات بعد مضي سنتين على الانتخابات البرلمانية أي نصف فترة المجلس المنتخب، تـتاح فيها لكل ناخب فرصة تصحيح اختياره، ويكون "تصحيح الاختيار" هذا عن طريق السماح للناخبين بالتصويت في انتخابات "نصفية" بنفس آلية قانون الانتخاب القائم، لتحديد النائب الأقل أداءً في المجلس، على أن يلي ذلك إقصاء النواب الثلاثة الذين يحصلون على أعلى نسبة من أصوات الناخبين في كل دائرة.

وهكذا تكون المحصّلة استبعاد النواب الـ15 الذين يمثلون الثلث الأقل أداءً لدى المجلس، والاستبدال بهم نواب الاحتياط أرقام ١١ و١٢ و١٣ من كل دائرة من الدوائر الانتخابية الأصلية، فهذه الفترة كافية لكي يتضح للناخب من خلالها صدق برنامج مرشحه وقوة أدائه بدلاً من النزول إلى الشارع للمطالبة بحل المجلس أو الحكومة.

في هذه الحالة ستترتب على القانون المقترح نتائج من أهمها دفع النواب إلى تقديم أفضل ما لديهم من أداء في سبيل مصلحة الوطن والمواطن، حيث سيغدو الإقصاء مصير المقصّرين، مع تمكين الناخبين من تعديل اختيارهم لنوابهم بدلاً من النزول إلى الشارع، الأمر الذي سيضمن هدوء الوضع السياسي في الدولة، فضلاً عن مكافحة عملية شراء الأصوات، لأن النواب الذين يقومون بمثل هذا العمل لن يتمكنوا من مجاراة المجلس أكثر من سنتين، إذ إن مَن يفعل ذلك هو بطبيعة الحال إنسان ضعيف يملك المال ولا يملك الحجّة.

ومقترح كهذا يجعل من الصعب دخول المال السياسي في العملية الانتخابية، حيث تكون لدى الشعب فرصة لإقصاء أي نائب يسعى إلى تحقيق مكاسب شخصية، مما يضمن دورا للمجلس والحكومة لأدائه على الوجه الأكمل ويدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، كما سيسهم في حث النواب على المشاركة الفعالة في المجلس، وتشجيع أصحاب الفكر والكفاءات على الانخراط في العملية البرلمانية، ليكون البقاء للنائب الأصلح، بعيداً عن القبلية والطائفية.

ومن إحدى ثمار القانون أنه سيجعل فرص المواطنين متكافئة لدخول البرلمان، لأن النائب الذي يتم التصويت على أنه "ضعيف الأداء" لن يتمكن من العودة إلى مجلس الأمة بسهولة، الأمر الذي سيحول دون احتكار مقاعد المجلس من فئة معينة دون أخرى، وبهذه الطريقة يكون المواطن هو المراقب لأداء المجلس الذي انتخبه ولا مجال لإلقاء اللوم على الغير.

back to top