اللعبة الكبرى بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط

نشر في 29-03-2015
آخر تحديث 29-03-2015 | 00:01
 فوراين أفيرز أدّت الفوضى في الشرق الأوسط إلى وضع العديد من العلاقات قيد الاختبار، وليست أقلها العلاقات المصرية التركية، فبعد وقت قصير من سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في عام 2011، أصبحت تركيا من المؤيدين الإقليميين الرئيسيين لمصر، لكن عندما تمت الإطاحة بالرئيس الجديد محمد مرسي في عام 2013، غيّرت تركيا من مسارها، ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة في مصر، سرعان ما أصبح الخصام بين البلدين من الخصومات الرئيسة في بلدان المشرق العربي.

في أغسطس 2013، طلبت تركيا من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على السيسي، وفي العام التالي، مارست مصر علناً ضغوطا ضد ترشيح تركيا للحصول على مقعد في مجلس الأمن، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرّح لقناة الجزيرة بأن حكومته "لا تقبل نظام السيسي الذي قام بانقلاب عسكري"، كما اعتبر السيسي "طاغية غير شرعي".

وازدادت العلاقات بين مصر وتركيا تدهورا بشكل أكبر في أعقاب قرار مصر شن هجمات جوية ضد أهداف تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في مدينة درنة الليبية في 16 فبراير، وقد دعمت الحكومة الليبية المعترف بها دولياً والجيش في طبرق هذه الخطوة، إلا أن الفصائل، والكثير منها إسلامية، التي استولت على طرابلس تحت اسم "المؤتمر الوطني العام الجديد" عارضتها بشدة. وفي هذا الإطار أعطت تركيا "المؤتمر الوطني العام الجديد" قدراً من الدعم الدبلوماسي من خلال رفضها الاعتراف بالحكومة الليبية الرسمية، ومن جانبها، أدانت أنقرة الهجمات الجوية، معتبرة أن "هذه الهجمات تعمق المشاكل القائمة في ليبيا وأجواء الصراع وتخرب جهود حل الأزمة بطرق سلمية". وفي الوقت نفسه، لم تقم الولايات المتحدة من جهتها لا بالإشادة بهذه الهجمات ولا بانتقادها.

وعلى المدى القريب، يبدو من المرجح أن التنافس الإقليمي بين مصر وتركيا سيؤدي إلى تفاقم الحرب الأهلية الليبية. وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي إلى إدخال المنطقة بأسرها في فوضى أسوأ من تلك التي تشهدها.

سياسات وتوجهات

ومع ذلك، بحلول نوفمبر 2013، كانت العلاقات التركية المصرية في حالة يرثى لها، في الوقت الذي استدعت فيه وزارة الخارجية المصرية السفير التركي الذي كان يتمتع بنفوذ كبير لإبلاغه بأن أمامه 48 ساعة لمغادرة البلاد، إن التحسن والهبوط المفاجئين على حد سواء في العلاقة المصرية التركية يرتبطان بدعم أردوغان لـ"الإخوان المسلمين" ومعارضته الشديدة  للحكم العسكري.

في 2012، تولي محمد مرسي، وهو عضو بارز في "مكتب إرشاد" جماعة "الإخوان المسلمين" رئاسة مصر، وسرعان ما سعى مرسي للحصول على الدعم التركي لمبادرته الشهيرة في السياسة الخارجية والمتمثلة بإنشاء مجموعة إقليمية تركز على الأزمة السورية من شأنها أن تشمل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية إلى جانب مصر. وحيث إن تشكيل المجموعة تعثر بسبب رفض المملكة العربية السعودية التعامل مع الإيرانيين، تمتع مرسي بدعم تركي قوي، فقد زار أردوغان القاهرة للمرة الثانية في نوفمبر 2012، وجلب معه هذه المرة وفداً كبيراً من الحكومة ومن القطاع الخاص، وألقى كلمة في جامعة القاهرة أشاد فيها بقرار الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي سحب السفير المصري من إسرائيل نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، واعتبر أن تحالفاً مصرياً تركياً من شأنه أن يضمن السلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يشير إلى أن مثل هذا التحالف من شأنه أن يقيد قدرة إسرائيل على استخدام القوة. وأشاد أردوغان بالناشطين من الشباب المصري لإسقاطهم "دكتاتورية" مبارك وأعلن أن "مصر وتركيا يد واحدة"، وهي مقولة على غرار الشعار الذي روج له الجيش المصري وهو "الجيش والشعب يد واحدة".

وفي الوقت الذي بدأت فيه قبضة مرسي على السلطة بالانزلاق، وصلت طموحات أردوغان حول شراكة استراتيجية مع مصر، تكون فيها تركيا الشريك الأساسي، إلى الحضيض، فبعد وقت قصير من الخطاب الذي ألقاه أردوغان في جامعة القاهرة، أصدر مرسي "إعلاناً دستورياً" يضع سلطاته التنفيذية فوق المراجعة القضائية، ومن ثم مارس الضغط لإقرار دستور جديد قام بصياغته الإسلاميون إلى حد كبير، وأصبحت الاحتجاجات المناهضة لمرسي و"الإخوان" في القاهرة عنيفة على نحو متزايد، وانهارت محاولات مختلفة للحوار بين مرسي والأحزاب السياسية المختلفة. وبحلول ربيع عام 2013، بدأت حركة "تمرد" المناهضة لمرسي بتنظيم احتجاجات حاشدة وقررت إجراءها في 30 يونيو، في الذكرى السنوية الأولى لوصول مرسي إلى السلطة. ومع انتشار تقارير مفادها أنّ مرسي حاول عزل السيسي عن منصبه كوزير للدفاع، أصدرت القيادة العسكرية المصرية تحذيرات بأن الجيش قد يضطر إلى التدخل "لمنع مصر من الدخول في نفق مظلم".

وفي الوقت نفسه، باءت الجهود التركية والغربية لمساعدة مرسي على التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي" بالفشل أيضاً، وسحب مرسي سلسلة من التدابير الإصلاحية بعد ساعات فقط من إعلان مكتبه عنها، ومن جهتها، عرضت تركيا على مصر صفقات تجارية تمنحها امتيازات وروّجت للاستثمار التركي الخاص، ولكن إدارة مرسي بدت مشلولة على نحو متزايد. ومع اقتراب موعد احتجاجات 30 يونيو أرسل أردوغان رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي هاكان فيدان، لزيارة مرسي. وفي هذا الإطار، أشارت تقارير لاحقة في وسائل الإعلام المصرية والتركية إلى أن مهمة فيدان كانت تقوم على تحذير مرسي من حدوث انقلاب وشيك، وربما حتى مناقشة كيفية منع ذلك الانقلاب. وأياً كان المضمون الحقيقي لتلك الزيارة، فقد نظر الجيش المصري وحلفاؤه من المدنيون إليها كدليل نهائي على دعم أردوغان لمرسي و"الإخوان". في 3 يوليو 2013، أعلن السيسي أن الجيش أطاح بالرئيس السابق مرسي من السلطة من أجل "إنقاذ" مصر من شبح الحرب الأهلية، وبذلك انتهت علاقة تركيا- التي أنشئت بعناية- مع القيادة المصرية، فقد اعتبر أردوغان أن السيسي "طاغية" واتهم الحكومة المصرية المؤقتة بممارسة "إرهاب الدولة"، وفي الوقت نفسه، سمحت أنقرة بمؤيدين لـ"الإخوان" وبمحطات تلفزيونية مناهضة للسيسي بالعمل من تركيا.

وردّت وسائل الإعلام المصرية بالمثل، متهمة تركيا بدعم الحملة الإرهابية ضد أجهزة الأمن المصرية التي اندلعت في شبه جزيرة سيناء بعد إطاحة الجيش بمرسي من السلطة، وتحول سفير تركيا القوي لدى مصر، حسين عوني بوطصالي،  من سفير ترحب به مختلف أطياف السياسة المصرية إلى سفير يواجه مظاهرات مناهضة لتركيا على أبواب مقر إقامته، وبالتالي، ألغت تركيا ومصر خططاً كانت معدة لإجراء مناورات بحرية مشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ وأخيراً، وفي نوفمبر 2013، طلبت وزارة الخارجية المصرية من بوطصالي مغادرة البلاد.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت السياسة الإقليمية أكثر عنفاً بكثير، ففي صيف عام 2014، اندلعت الحرب في غزة، ومع مسارعة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى العمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، عرضت تركيا (وقطر) ومصر خططاً متنافسة للسلام، وقد شكا المسؤولون المصريون إلى نظرائهم الأميركيين من أن تركيا وقطر تسعيان عمداً إلى استخدام غزة لتقويض المصالح المصرية.

وبعد ذلك في ليبيا، دعمت مصر والإمارات العربية المتحدة حملة الجنرال خليفة حفتر ضد الميليشيات الإسلامية التي قيل إنها مدعومة من تركيا. حتى إن السيسي استعمل في نوفمبر 2014 ورقة قبرص، وعقد قمة ثلاثية مع الرئيسين القبرصي واليوناني للترويج لصفقة توريد الغاز الطبيعي من الحقول الواقعة تحت البحر قبالة سواحل قبرص إلى مصر. ومن شبه المؤكد أن السيسي كان يسعى إلى تحدي السلطة التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

مشاعر حقد

تؤدي القضايا الشخصية دوراً أيضاً خارج الإطار الجيوسياسي، ففي صيف عام 2013، وبينما كان مرسي يواجه موجة من الاستياء الشعبي التي أدت في النهاية إلى الإطاحة به، كان على أردوغان التعامل مع الثورة الشعبية التي تواجهه في تركيا، أي حركة احتجاجات "ميدان تقسيم" الليبرالية، وقد رد الزعيم التركي على الحملة بالقمع العنيف.

وفي الوقت نفسه، ينظر السيسي إلى أردوغان كمنافس له في شؤون المشرق العربي، والأهم من ذلك، في السياسة. فقد فاز الزعيم التركي المتحالف مع محمد مرسي بأربعة انتخابات متتالية، ثلاثة منها برلمانية وواحدة رئاسية، وأظهر نفسه بصورة النموذج اللامع للسياسة الإسلامية في الشرق الأوسط، أما في نجاح أردوغان، فيرى السيسي تجسيداً لخصومه السياسيين، ويشير ذلك إلى أنه من غير المرجح أن تتعافى العلاقات التركية المصرية في المستقبل القريب، طالما أن أردوغان والسيسي في السلطة، وفي الواقع، من المحتمل أن تزيد المنافسة الإقليمية بين السلطتين من تغذية النزاعات القائمة بدءا من غزة مروراً بقبرص ووصولاً إلى العراق.

* مارك سيفرز & سونر چاغاپتاي

back to top