ما أشبه الليلة بالبارحة... جولة في معرض مقتنيات وضاح خالد سعود الزيد

نشر في 15-02-2015
آخر تحديث 15-02-2015 | 00:02
أقام الأديب المؤرخ خالد سعود الزيد (1937-2001)، رحمة الله عليه، معرضاً للمخطوطات والمطبوعات العربية والكويتية النادرة، من 13 إلى 20 فبراير 1990 وكان لي الشرف أن أسهم معه في وضع الكتاب الذي وصف المخطوطات والمطبوعات الكويتية النادرة. وتعلمت من الزيد الكثير في تلك التجربة الفريدة، وكان هذا المعرض هو المعرض الأول من نوعه الذي يقام على مستوى شخصي وبجهد فردي في الكويت حينئذ.
اليوم وأنا أتجول في معرض وضاح خالد سعود الزيد تمر أطياف معرض والده الذي مضى عليه ربع قرن من الزمان، ومن الجميل أن يأتي معرض وضاح في الفترة من 9-16 فبراير 2015 قريباً من تاريخ معرض والده ومتفقاً مع الغاية المنشودة من إقامته في هذه الفترة وهي المشاركة في أعياد الكويت الوطنية.

ومِن الملاحظ في الكويت أن الأفراد هم الذين يقومون بعمل المؤسسات من حيث المحافظة على التراث الكويتي واقتناء كلّ ما يَمُتُّ للكويت بصلة من مطبوعات أو موجودات تمثل البيئة الكويتية بشتى جوانبها، وصار هذا الأمر ملحوظاً في الآونة الأخيرة. وقد اعتنى وضاح الزيد عناية بالغة بجمع كلّ ما له صلة بالكويت من مخطوطات ومطبوعات وموجودات حتى غدا بيته متحفاً قائماً بذاته.

ينفق وضاح الأموال الطائلة والجهد الكبير في سبيل الحصول على كل ما يتصل بالكويت، وكان هذا المعرض وهو المعرض الثالث من نوعه الذي يضم مقتنياته الخاصة بعد معرض أقامه في مؤسسة البترول الوطنية في العام 2012 وآخر في المدرسة القبلية في العام 2013م.

ولكن هذا المعرض يأتي اليوم ليؤكد فيه وضاح الزيد أنه بات مرجعاً ومصدراً مهماً بما لديه من تراث كويتي مخطوط ومطبوع ومصنوع إذ اتسم هذا المعرض بسمات خاصة أوردها في النقاط التالية:

[1] يمثل المعرض صورة بونورامية للكويت حكاماً وشعباً أسهموا في بناء الكويت عبر ما يعرض من سير لحكام الكويت بدءاً من أسد الجزيرة الشيخ مبارك الصباح، وانتهاء بأمير الإنسانية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه. إذ عرض عدداً من الصحف التي تبين طرفاً من حياة الأمير إلى جانب بعض الكتب والوثائق ذات الصلة، كلّ ذلك في عرض مميز يأخذك في رحلة سريعة مع حكام الكويت في العصر الحديث.

[2] ثم ينتقل بك بعد ذلك إلى ركن وضع فيه كماً من الخرائط العالمية التي تشير إلى الكويت عبر العصور وبأسمائها المختلفة التي عرفت بها وهو ركن مهم ومميز ويخص الكثير من الباحثين والجغرافيين.

[3] وما إن تفرغ من هذا الركن حتى ينقلك إلى ركن فيه آثار ومخطوطات بعض علماء الكويت، خطتها أيديهم نسخاً أو تأليفاً من مثل:

 مخطوط {واجب أمور الديانات} تأليف الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر - رحمة الله عليه-ومخطوطات بخط الشيخ محمد الفارسي وأخرى بخط ابنه الشيخ أحمد بن محمد الفارسي رحمة الله عليهما.

ومما استوقفني ملياً حسابات ووثائق ودفاتر سند ودفاتر محاسبة الغواصين وهي كلها تعود لأسرة الناهض الكرام، الأمر الذي يشكل في مجمله ثروة في حَدَّ ذاته يمكن من خلالها رصد المعاملات التجارية عبر الوثائق والمخطوطات الوقوف على أنواع التعاملات التجارية البحرية وغيرها من خلال هذه الوثائق التي تعطينا صورة مهمة عن طبيعة الحياة الاقتصادية في الكويت قديما.

هذا إلى جانب بعض الكتب الخاصة بأوزان اللؤلؤ والتي طبعت في الهند قديماً، خصوصاً كتاب {ترجمان البيان في حساب اللؤلؤ لا المرجان} الذي اعتنى بطبعه  حمد ناصر آل غانم سنة 1912م، ولم تشر أي من المصادر التي عُنِيَتْ بالموضوع إليه لأنه كان نادراً جداً.

[4] كما تميز المعرض فيما تميز بحرص وضاح الزيد على جمع معظم المصادر التاريخية الأجنبية إنكليزية أو فرنسية جاءت على ذكر الكويت ووصفت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية فيها. ووضعها كلها بإزاء بعض لتشكل في مجملها صورة تاريخية للكويت أسهم الرحالة والباحثون في رسمها من خلال رحلاتهم أو بحثهم، مما يدعو إلى جمع هذه المصادر كافة وترجمتها ووضعها في كتاب يمكن أن نطلق عليه الكويت في عيونهم، يوضع فيه النص بلغته الأصلية وبإزائه ترجمة عربية مشفوعة ببعض الهوامش التوضيحية.

وأحسب أن المكتبة الكويتية تفتقر إلى مثل هذا الضرب من المصنفات التي تتحدث عن الكويت من خلال المصادر الأجنبية، وقد أسهم مركز البحوث والدراسات الكويتية مساهمة فاعلة في تكريس هذا الأمر، وأحسب أن هذا الضرب من الموضوعات لا يخفى عليه ويقع في مقدمة اهتماماته.

[5] لم ينس وضاح الزيد والده قط، إذ ما تصل إلى نهاية المعرض حتى تجد خالد سعود الزيد يستقبلك بغترته وعقاله ودشداشته وعصاه ونعله ونظارته وكرسيه ويفتح لك قلبه ويديه مبتسماً ابتسامته الأبوية الحانية، مرحباً بك وهو يشير إلى ابنه وضاح الذي أحياه ذكراً وفكراً ووجداناً في نفوسنا في هذا المعرض. نعم. الابن سِرّ أبيه.

أكد لنا وضاح الابن هذا المعنى حين ختم معرضه بوالده ووضع مخطوطات خطها بيديه أثناء الغزو عام 1990، ومجموعة مؤلفاته القيمة التي أرخ فيها للأدب في الكويت.

وفي منتصف صالة العرض، حرص وضاح الزيد أن يضع بعض قطع الأثاث التي يقتنيها والتي كانت موجودة في قصر السلام، قطع جميلة من مقاعد وثيرة تحمل شعار الكويت بلونها الأخضر الداعي للسلام والطمأنينة وكذلك أحد مكاتب القصر وكرسيه.

وقد جاء وضاح الزيد ببعض المجلات التي تدعم تاريخياً بعض مقتنياته المطبوعة أو المصنوعة وتأكد أصالتها وجودها تاريخياً.

وأخيراً:

كنتُ أتجولُ في معرض غني ثري في مادته ومعروضاته، يكشف عن رؤية صاحبه الذي ما فتئ يقدم لنا صورة حية للكويت من خلال حكامها وشعبها، ذلك الشعب الذي كان خليطاً متجانساً أحب الكويت وترابها، وكأن ترابها الزعفران، سواعد كويتية أسهمت في بناء الكويت يداً بيد، لم تلتفت إلى طائفة أو قبيلة أو عرق إنما وضعت هذه الأرض نصب عينيها تدافع من أجلها وتموت حباً بها.

المعرض أشبه بالمتحف المصغر الذي يدعوك إلى مطالعته وتأمله وقراءته قراءة كاشفة للوصول إلى بعض الحقائق التاريخية القائمة على الوثائق والأسانيد.

فبوركت يا وضاح الزيد ابناً يسير على خطا أبيه في جمع التراث وحفظه، وكم أعلم أنك تبذل جهداً كبيراً في سبيل ذلك. ولكن هذا  هو قدر أخي وضاح الذي أخذ على عاتقه أن يحفظ للكويت بعضاً مما أعطته ومنحته من حبها وحنوها عليه وعلى أسرته وعلى أهل الكويت قاطبة.

back to top