«ما يضيع حق وراه مطالب»

نشر في 29-08-2014
آخر تحديث 29-08-2014 | 00:01
 خالد الجري من المعروف أن يطالب الناس بحقوقهم بما يتماشى مع مضمون هذا العنوان والإلحاح عليها إلى أن ينالوها، في مسعى إلى تحقيق مطالبهم المشروعة، وليس كما يحدث هذه الأيام للمطالبة بغرض أخذ أكبر قدْر ممكن من أي شيء، سواء بحق أو بغير وجه حق.

 ولقد رأينا خلال فترات سابقة خروج أفواج غفيرة من المواطنين إلى الشارع للمطالبة بحقوق أو لرغبتهم في تغيير نظام أو حكومة، ناسين أو متناسين أن للشارع حرمته، وأن كثرة مطالباتهم غير المدروسة قد انعكست سلبا عليهم وأفقدت الشارع هيبته.

هنالك مجموعة إجراءات من المفترض أن يتم اتباعها قبل الخروج إلى الشارع، لعل واحداً منها يعفيهم من النزول إليه، ومنها: اللجوء إلى المخافر، التحقيقات، المحاكم، ديوان المحسابة، مجلس الأمة، النيابة العامة، جمعيات النفع العام، فضلاً عن المنظمات والمحاكم الدولية وغيرها الكثير.

أما الذين ينزلون إلى الشارع في كل صغيرة وكبيرة باختلاف نواياهم، التي لا نشكك فيها ولا بحبهم لوطنهم، ولكن تسرعهم بسبب حميتهم المفرطة يظهرهم بمظهر لا يليق بهم، فإنهم يتصورون أن المطالبات القانونية تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والصبر، ويرَون من الأسهل والأسرع النزول إلى الشارع والصياح والاستنكار والتنديد بأشياء يجهلونها دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن الوسائل المشروعة التي تضمن لهم تحقيق مطالبهم، بدلاً من إشاعة البلبلة والفوضى في طول البلاد وعرضها، غير مدركين عواقب ما يفعلون، فإن تقطعت بهم السبل القانونية ولم يصلوا إلى النتائج المطلوبة، فحينئذ يكون الشارع هو الملاذ الأخير لا الخيار الأول.

ونذكر على سبيل المثال قضية "استاد جابر" الذي انتهى إنشاؤه سنة ٢٠٠٩ وتسلمته "الهيئة العامة للشباب والرياضة" من وزارة الأشغال آنذاك ولم يتم، منذ ذلك التاريخ، افتتاح الاستاد رسميا بسبب وجود بعض الشبهات المتعلقة بسلامة المبنى.

يومها بدأ الناس يتذمرون وكثرت الشائعات حول الموضوع من دون أي تحرك حكومي أو برلماني بالتصريح والتوضيح من أجل وضع حدّ لهذه الشائعات وحل الإشكال، بل اكتفيا بالتفرُّج عملا بمبدأ "اعمل نفسك ميت!".

عندئذ بادر أحد المواطنين الغيورين على البلد، وهو المواطن خليفة الجري، بإرسال كتب باسمه شخصياً إلى الوزراء المعنيين بالموضوع للاستفسار عن وضع مشروع الاستاد، وذلك استنادا إلى المادتين رقم ١٧ و٤٥ من دستور دولة الكويت، وتنصّ الأولى منهما على أن "للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن" وتقضي الثانية بأن "لكل فرد أن يخاطب السطات العامة كتابة وبتوقيعه".

هذا، مع العلم أن المواطن المشار إليه ليس محاميا ولا رجل قانون، بل كل ما هنالك أنه لم يقف موقف المتفرج، في حين اتخذ الوزراء وضعية "الميت" كعادتهم بعدم الرد، مما اضطر المواطن إلى التقدم بشكوى "محاكمة وزراء" في فبراير ٢٠١٤ ضد كلٍ من وزير الشباب والرياضة، ووزير الأشغال العامة، ورئيس ديوان المحاسبة وذلك بسبب تقاعسهم عن أداء الواجبات المنوطة بهم.

وبناءً على تلك الشكوى كانت النتيحة أن تحرك مجلس الأمة من خلال "لجنة حماية الأموال العامة" وأحال ملف "استاد جابر" إلى النيابة العامة، مما استتبع تحركاً من مجلس الوزراء تجاه الموضوع وإحالة بعض الأطراف إلى النيابة العامة، في محاولة منه، كما يبدو، لإنقاذ الوزراء من المحاكمة، إلا أن ذلك لن يعفيهم من تحمل المسؤولية وأن المحاسبة ستطولهم مهما تعددت وسائل المسيئين في حق الوطن.

فمشكلة أصحاب الحق هي عدم معرفتهم بكيفية المطالبة بحقوقهم، الأمر الذي يظهرهم دائما بمظهر الحلقة الأضعف، ولقد رأينا من خلال المثال السابق كيف أن شخصاً واحداً استطاع أن يحرك مياه مستنقع الفساد الراكدة عن طريق اللجوء إلى الأطر القانونية وليس الشارع.

وخلاصة القول هنا أنه إذا قام كل محامٍ أو مواطن في الدولة بتبني موضوع أو قضية فساد، فسنرى النتائج الإيجابية تتحقق بمحاسبة المقصرين والنهوض ببلادنا وانتشالها من هذا المستنقع بغية الارتقاء بها والعمل الجادّ على رفعتها.

back to top