دعوا الخلق للخالق

نشر في 30-06-2014
آخر تحديث 30-06-2014 | 00:01
 خالد الجري عند بدء انتشار الدعوة الإسلامية في زمن الدولة الأموية امتد نفوذها إلى أغلب بقاع الأرض، حيث تفوق المسلمون في شتى المجالات العلمية، فقد كان من أهم أهدافهم، بعد نشر الدين الإسلامي، نشر العلم والثقافة الإسلامية، وفي عهدها تم احتضان العلم والعلماء، وكان المسلمون كتلة واحدة باختلاف اللغات واللهجات، وكانوا ينظرون إلى الأمور والقواسم المشتركة التي تجمعهم وتقرب بعضهم من بعض، ففي هذا العهد تم توحيد المسلمين تحت راية واحدة، مما جعل الدولة الإسلامية قوة عظمى في ذلك الزمان، قضت على الفتن التي كانت سببا في تفرقتهم، والتي شقت صفوف المسلمين بعد وفاة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

وبعد مئات السنين حذت دول أوروبا حذو المسلمين واتحدت لتشكل ما يعرف اليوم بالاتحاد الأوروبي؛ لتصبح قوة عالمية كبرى، فدول الاتحاد اليوم تعيش كأنها دولة واحدة بلا حدود تفصل بعضها عن بعض، مع العلم أنه لا قواسم مشتركة تدعو لتوحدها، فلكل دولة لغتها، وعملتها، وعاداتها، وتقاليدها، ولكن لم ينظر الأوربيون إلى هذه الاختلافات إنما ركزوا على الأشياء التي من شأنها أن توحدهم، مثل تشاركهم في الأرض بقارة واحدة وتشارك بعضهم بدين واحد باختلاف مذاهبه.

هذه بعض الأمثلة التي من شأنها أن تجعلنا نعيد حساباتنا عن واقع حياتنا الحالي، فقد وصلت بنا الحال إلى القاع لكثرة انشغالنا بمحاسبة غيرنا من الذين يخالفوننا في وجهات نظرنا وتكفيرهم، وتركنا العلم والعمل لنتفرغ بذلك لمهاجمة بعضنا وتصيّد أخطائنا!

فالوطن العربي فيه العديد من القواسم المشتركة بين شعوبه كالدين، واللغة، والعادات، والتقاليد وغيرها الكثير، فلماذا ننظر دائما إلى التفاصيل الصغيرة التي من شأنها زرع الفتنة والكراهية والتفرقة؟ فسياسة "فرق تسد" الكل منا يعرفها ويعرف مدى تأثيرها، وكتب التاريخ تشهد بذلك، فلماذا لا ننتبه لحالنا، ونعيد النظر في أسباب فرقتنا؟ ومن المستفيد من ذلك؟

اليوم صرنا نسمع مصطلحات عنصرية عديدة في بلدنا الحبيب الكويت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سني، شيعي، بدوي، حضري، وتتفرع من هذه المسميات العديد من التفريعات الأخرى مثل: سني سلفي أو إخواني، شيعي من الجعفرية أو الزيدية أو الإسماعيلية، بدوي من قبائل الشمال أو الجنوب، حضري نجدي أو زبيري، وتستمر هذه التفريعات إلى ما لا نهاية، متناسين بذلك القواسم المشتركة التي من شأنها أن تجمعنا وتوحدنا وتبعدنا عن كل ما من شأنه أن يفرقنا.

في السابق وتحديداً قبل الغزو الصدامي الغاشم، وحين كنا أطفالاً عندما كنا نُسأل ما أصلك؟ نجيب بكل براءة (كويتي)، حيث إن هذه التفرقة العنصرية لم تكن موجودة كأيامنا الحالية، علما أنه حسب أحد البحوث العلمية فإن الأشخاص الذين لديهم نسبة عالية من العنصرية يمتلكون معدل ذكاء أقل من غيرهم، لذلك لنسأل أنفسنا هذا السؤال: هل أنا عنصري؟

انشغلنا بمحاسبة غيرنا في كل شيء ونسينا محاسبة أنفسنا، فـ"خيرٌ لك أن تقضي وقتك في السعي لإدخال نفسك الجنة على السعي في إثبات أن غيرك سيدخل النار"، فالدين هو عبارة عن علاقة المخلوق بالخالق، وليس من المفروض أن نتدخل بين الإنسان وخالقه، فكلنا لنا رب سيحاسبه يوم الحساب، فإذا صدقنا القول بالإصلاح فعلينا البدء بأنفسنا ولندع الخلق للخالق، والدين "ليس بما تظهره المعابد وتبينه الطقوس والتقاليد، بل بما يختبئ في النفوس ويتجوهر بالنيات".

 وقد قيل "اعملوا واكدحوا إلى الله بطلب العلم وليس بتربية اللحى وتقصير الجلاليب ولبس القباقيب والتمسك بالمظهريات والثانويات، فإن أول آية نزلت في كتابكم هي اقرأ"، فلنلتفت إلى العلم ونشر الثقافة ولنشغل أنفسنا بما يفيدنا في حياتنا، فالشخص الذي يشغل نفسه دائما بما يفيده ولا يترك في يومه أي لحظة فراغ غالباً ما يكون أكثر سعادة من غيره، فهذه دعوة للعمل والإصلاح لعلها تكون بداية لنشر السعادة في مجتمعنا الذي تم تقطيعة من دعاة الفتن.

back to top