على نياتهم!

نشر في 27-05-2014
آخر تحديث 27-05-2014 | 00:01
 حمد نايف العنزي في لقاء تلفزيوني لمحكوم عليه بالإعدام من جماعة "داعش" أو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" كما يحلو لهم أن يسموا تنظيمهم، سأله المذيع عن سبب قدومه من دولته الخليجية إلى العراق، فقال إنه أتى في بداية الأمر لقتال الأميركيين، ثم تحول هدفه إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق شرع الله، ومن أجل تحقيق ذلك قام بالتخطيط والمساهمة في عدد من العمليات الانتحارية، فسأله المذيع: لكنكم قتلتم من المدنيين الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا في هذه العمليات أضعاف ما قتلتم الأميركيين، فلماذا فعلتم ذلك؟!

كان رده بأن ابتسم ابتسامة بريئة، ثم قال بكل هدوء وثقة: ليس مهماً يا أخي، ليس مهماً، هؤلاء يبعثون على نياتهم، فإن كانوا من أهل الجنة ذهبوا إليها وإن كانوا من أهل النار فمثواهم النار!!

هكذا، بكل بساطة، أو سذاجة، أو بلادة، أرواح الناس ما هي إلا عقبة في طريقه نحو الجنة، ليست شيئاً مهماً، وهو لا يفعل شيئاً عظيماً، لقد أزاحهم عن طريقه فقط، وترك أمرهم إلى الله!

لم ينس صاحبنا أن يختم كلامه بالحديث النبوي الذي يستند إليه كل الانتحاريين والإرهابيين زوراً وبهتاناً لتبرير جرائمهم، قال: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم" قالت عائشة: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم- أي أناس تبعوهم دون أن يعلموا بخطتهم- ومن ليس منهم؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون... على نياتهم"!

نعم، كلهم يستندون إلى هذا الحديث النبوي زوراً وبهتاناً، لأنه لا علاقة له بما يقومون به من إجرام ووحشية، فالحديث يروي حادثة تحدث آخر الزمان، حيث يغزو جيش الكعبة فيأتيهم غضب من الله يخسف بهم الأرض، أي أن الله يأمر الطبيعة أن تأتي عليهم كلهم فلا تفرق بين أحد منهم، وهو حال كل الكوارث الطبيعية كالزلازل مثلا، فهي لا تميز بين صالح وطالح أو بين مؤمن وكافر، وهو أمر خاص بالله الذي يدبر الأمور، وينزل المقدور، ثم بعد ذلك يضع من يشاء في الجنة أو النار!

لم يقل الحديث النبوي لأحد من الناس، ولأي سبب من الأسباب، اقتل وفجر ودمر من تشاء من الأبرياء الذين لا ذنب لهم بدم بارد وضمير ميت، لأن الكل سيبعث على نياته!

إن المرء ليعجب من هؤلاء "المجاهدين" الذين زهدوا في الدنيا وذهبوا إلى مناطق الاقتتال من أجل الشهادة أو النصر، ألا يقرؤون القرآن؟ ألا يتدبرون آياته؟ ألا يفهمون منه شيئاً؟ أم أنهم كالخوارج "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم"، ولا يحرك مشاعرهم، ولا يهذب أخلاقهم، ولا يرقق قلوبهم؟!

فالقرآن الكريم يقول: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً"، وفي آية أخرى: "مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً".

 إنه الجهل، حين يمتزج بالمشاعر العدوانية التي تهيجها حداثة السن وحماسة الشباب والاندفاع العاطفي دون تحكم العقل، ليجد أحدهم فجأة مرتمياً في أحضان تجار الدين والسياسة الذين ينتهزون الفرص ليستفيدوا منها، ويتحول هؤلاء الشباب السذج وقوداً لأطماعهم، وأدوات لطموحاتهم، فلا يعنيهم كم يموت من يموت، ما دامت أرصدتهم تتضخم، وما داموا هم وأبناؤهم يعيشون في خير وأمان، أما أبناء الناس الآخرين فلينتحروا وليموتوا وليذهبوا في ستين داهية، وماذا في ذلك؟ إنهم جميعا، هم وضحاياهم، سيبعثون كلهم على نياتهم!

back to top