غفلة أهل الحق

نشر في 30-03-2014
آخر تحديث 30-03-2014 | 00:01
 خالد الجري تلقيت اتصالاً قبل أيام من أحد الأصدقاء الليبيين، زميل لي من أيام الدراسة في الخارج، وقد كان صوته على غير عادته مما أثار قلقي، فسألته مطمئناً عليه فأجابني متألماً بأن الأحوال في ليبيا بعد الثورة أصبحت جحيماً لا يطاق، وأنه ينوي الهجرة مع عائلته إلى إحدى الدول بحثاً عن الأمن والأمان.

وقد أكد من خلال حديثه أنه تم تدمير الكثير من مراكز الشرطة هناك، وسيطرت ثلاث جماعات مسلحة على البلاد، فوصلت بهم الحال إلى اضطرارهم لاستئجار ميليشيا لحماية أهله وشركاته من اللصوص والمجرمين، فجميع المساجين والمحكومين بالإعدام قد فروا من السجون.

فذكرتني هذه المحادثة بفترة احتلال الكويت الغالية إبان الغزو الصدامي الغاشم، حيث فقدنا نعمة الأمن والأمان، وتشرد العديد منّا إلى مختلف دول العالم، لقد كنا نعيش في نعمة يحسدنا عليها الكثيرون ولا يعرف قيمتها إلا من فقدها.

فعندما ننظر إلى بعض الدول التي اجتاحتها ثورات الربيع العربي نرى أنهم اليوم يعضون أصابع الندم لما آلت إليه أحوالهم بسبب تهورهم وعدم اتخاذ الحوار المنطقي والعقلاني وسيلة للتواصل البنّاء، مع الاحترام الكامل للشعوب المضطهدة في بعض هذه الدول، فهنالك دائما وسائل عديدة للتوصل إلى حلول ونتائج إيجابية، لكن مع الأسف الاندفاع بدون تنظيم يؤدي إلى نتائج قد تكون مدمرة.

فمازلنا نشاهد الآثار السلبية لهذه الثورات في دول مثل مصر، وليبيا وسورية، ومن الغريب أننا سمعنا منذ مدة عن توجه في الكويت من بعض أصحاب النفوس المريضة للدعوة إلى مثل هذه الثورات رغم أن لدينا الكثير من النعم التي منَّ الله علينا بها والتي نحسد عليها.

 صحيح أن هنالك بعض السلبيات والممارسات الخاطئة التي تمارس من بعض أصحاب السلطة والمناصب، ولكن في المقابل لايزال هنالك الكثير من أبناء هذا الوطن الغيورين على بلدهم، والذين لا يدخرون جهدا للحفاظ عليه وعلى ثرواته، ويسعون دائما إلى رفعة وطنهم، لكن قيل "ما عجبتُ لشيء عجبي من يقظة أهل الباطل واجتماعهم عليه، وغفلة أهل الحق وتشتت أهوائهم فيه"، قد يرى البعض أن أصحاب الباطل هم أقوى من أصحاب الحق لكن في الحقيقة هم ضعاف مهما وصلت بهم القوة؛ لأن الباطل كان زهوقا، كل ما هنالك أنه يجب أن يتم توحيد الصفوف والالتفات إلى الإصلاح.

وإذا ما تحدثنا عن الإصلاح في بعض الجوانب في وطننا الغالي الكويت فإنه يجب أن يبدأ من الذات، وفي حال وجدت الرغبة الفعلية لذلك يجب أن نبدأ بالعمل من أجل تحقيقه بدءاً من الموظف البسيط في الدوائر الحكومية صعودا إلى القيادات السياسية، فإذا أخلص الموظف في عمله مهما كانت أهميته فإن ذلك سينعكس على جميع قطاعات الدولة وينعش اقتصادها.

علينا جميعا تحمل المسؤولية وعدم النظر إلى المصلحة الشخصية لكي نرقى بدولتنا الحبيبة، فإذا تضافرت الجهود للإصلاح من أجل المصلحة العامة فإن ذلك سيعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع.

في نهاية المكالمة الهاتفية قال لي صديقي: أنصحكم بعدم التفكير بعمل أي ثورة لأنها مقبرة للدول، علما أنه كان من المعارضين للرئيس الراحل معمر القذافي، ولكن مع السلبيات الكثيرة التي كان نظامه يمارسها فإن شفاعته الوحيدة كانت في الأمان الذي كان شعبه ينعم به، وهو مستعد اليوم لدفع أي ثمن لمجرد عودة ذلك الشعور.

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان وأصلح ولاة أمرنا ووفقهم لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة الصالحة.

back to top