بطانة إلكترونية للحاكم

نشر في 16-03-2014
آخر تحديث 16-03-2014 | 00:01
 د. عبدالله جاسم الشهاب سافر مصري من مصر إلى المدينة ليخبر الحاكم عمر بن الخطاب ما فعله محمد بن عمرو بن العاص، ابن والي مصر آنذاك، فقد ضرب محمد بن العاص المصري بالسوط لفوزه في سباق للخيول، فطلب عمر بن الخطاب قدوم عمرو بن العاص وابنه محمد إلى المدينة، وأنزل العقوبة على المسيء، وطلب من المصري ضرب ابن الأكرمين وخاطب ابن العاص بمقولته الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

 وقال للمصري "انصرف فإن رابك ريب فاكتب إلي"، يعني تواصل معي وبصورة مباشرة وبكل شفافية. حكم عمر في عهدِ استطاع به صاحب الحاجة الاتصال الفوري بالحاكم دون حواجز وحدود بصورة مباشرة وبشفافية لا تخفي الحقائق أو تبدلها.

بعد ذلك العصر ظهرت حواجز جديدة لطرق الاتصال بالحاكم، فكان هناك الحاجب والوزير والصدر الأعظم يملكون قنوات اتصال مباشرة مع حاكم يرغب في سماع الحقائق وملامسة هموم المواطنين لحلها وإصلاحها، ثم تطورت هذه الحواجز والحدود وظهرت مجموعة من الأفراد من رجال وأحياناً نساء محيطة بالحاكم تخبره ما يحب أن يسمع لا ما يجب أن يسمع، والفرق بين "يحب" و"يجب" هو نقطة واحدة، وتطورت هذه المجموعة لتصبح بطانةً هدفها استمرارية القرب من بلاط الحاكم عبر وسائل تمكنها من القدرة على تغيير الخبر أو تهذيبه على وزن "كله تمام يا أفندم".

اليوم يعيش العالم في عصر رقمي يعتمد على الاتصالات المتزايدة السرعة، ابتُكرت فيه شبكات تواصل اجتماعي متنوعة النكهة والمذاق يستعملها مئات الملايين من البشر بتنوع ألوانهم وأطيافهم وفئاتهم العمرية، يتابعون أخبار أقربائهم وأصدقائهم وأيضاً المشاهير والسياسيين والحكام، مثل الرئيس الأميركي أوباما ورئيس إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد وغيرهم من حكام العالم.

ويتابع هؤلاء الحكام آلاف من المتابعين لتغريداتهم وصفحاتهم محاولين معرفة أخبارهم وأفكارهم وتوجهاتهم، ويقوم المتابعون بالتعقيب على أفكار الحاكم مباشرة، وفي بعض الأحيان يحصلون على ردود مباشرة من الحاكم وبكل شفافية، وكأن هذا التفاعل بمنزلة بطانة إلكترونية للحاكم متفوقة على البطانة التقليدية في نقل الخبر بشفافية وفورية وأحيانا بالصوت والصورة.

فالمصري، الذي تكبد عناء السفر ومشقته أياماً وليالي ليتواصل مع الحاكم عمر بن الخطاب، كل ما يحتاجه اليوم هو هاتف ذكي للتواصل مع حاكم بلده من خلال بطانة إلكترونية تنقل الخبر فورياً وبكل شفافية.

back to top