بناء الأوطان بالأفعال... لا بالألقاب

نشر في 18-11-2013
آخر تحديث 18-11-2013 | 00:01
 خالد الجري في منتصف القرن الماضي، وتحديداً في الخمسينيات والستينيات، بدأت الكويت أولى خطواتها نحو تأسيس الدولة الحديثة، وذلك في أعقاب الطفرة النفطية الحديثة، معتمدة في ذلك على سواعد أبنائها من ذوي العزم والهمة، ممن لم يكن أغلبهم حاملاً للشهادات العلمية، بل لم يكن بعضهم يعرف القراءة والكتابة، غير أن الشيء الوحيد الذي كانوا يعرفونه هو إخلاص العمل من أجل رفعة وطنهم وبناء مستقبل أفضل لأبنائهم، حتى باتت لهم، بعد الله تعالى، اليد البيضاء والفضل في أننا نعيش في دولة قانون، وبلد مؤسسات وديمقراطية، عبر وضعهم دستوراً تحسدنا عليه دول عدة.

وعلى وقع تلك الهمة وذلك العزم، تقدمت الكويت في العديد من المجالات، حتى فاقت كثيراً من جيرانها، كما غدت منارة للعلم والمعرفة، غير أن المفارقة تتمثل في أن الدفع نحو حصولنا على أفضل رعاية صحية وأفضل تعليم حوَّلنا إلى بلد مكتظ بحملة الشهادات العليا "الاسمية"، وليس أدل على ذلك من شيوع لقب "دكتور" حتى أصبح سلعةً متوافرة بكثرة، عرضها أكثر من الطلب عليها، في ظل سؤال يطرح نفسه: ماذا يفعل اليوم حملة هذه الشهادات لوطنهم وهنا مربط الفرس؟

لقد نجح هؤلاء في الحصول على الشهادات، لكنهم فشلوا في متابعة المسيرة التي سنّها آباؤنا وأجدادنا للنهوض بالوطن وتنميته، فمنذ تحرير الكويت من العدوان الصدامي الغاشم تخلفت الكويت عن ركب التطور، وأصبحت في ذيل الركب مقارنة ببقية دول المنطقة التي كانت تعتمد عليها في كثير من أمورها، لنرى هذه الدول اليوم تتقدم علينا في شتى المجالات، وباتت كل دولة تمتاز بصبغة خاصة بها، فها هي الإمارات بلد السياحة، والسعودية بلد الصناعة، والبحرين مركز المنطقة المالي، وعمان بلد الثقافة، وقطر بلد التعليم، أما دولتنا الحبيبة الكويت... فمازالت تعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وسط تطورات عالمية في مصادر الطاقة الحديثة والصديقة للبيئة والتي تهدد مكانة النفط كمصدر أساسي للطاقة.

ولعل هذا التأخر عن ركب المسيرة العالمية راجع إلى تسابقنا للحصول على أعلى الشهادات من أجل الألقاب فقط، بصرف النظر عما يترتب عليها من أفعال، شهادات فقط لمجرد المفاخرة بالألقاب، متناسين "أن الألقاب ليست سوى أوسمة للحمقى، والرجال العظام ليسوا بحاجة لغير اسمهم، إذ إنها لا تكسبهم المجد بل الناس هم من يكسبون الألقاب مجداً".

لقد أصبح الفساد مستشرياً فينا إلى درجة أنه بدأ يناهض الحق حيناً ويتغلب عليه أحياناً... وهذا مؤشر خطير، فكيف نريد أن نرقى بدولتنا إذا كان أصحاب الأفعال من ذوي الهمة يحارَبون من قبل حملة الألقاب ويريدون قمعهم، فهل يرجع ذلك إلى وعيهم بحقيقة أنهم ليسوا على قدر المسؤولية، وأنه إذا كان هنالك شخص أقل منهم تعليماً ولكنه متفوق عليهم بأفعاله، فإن ذلك يشعرهم بالنقص، مما يحملهم على محاربته؟

هناك زعماء دول لا يحملون شهادات علمية، كالراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تغمده الله برحمته، ولكنهم فعلوا ما لم يستطع فعله متعلمون كثر، حيث تمكن الراحل بأفعاله وحبه لبلده من رفع اسم الإمارات ووضعها على طريق الحداثة وخريطة العالم الحديث بمساعدة المخلصين من أبناء وطنه.

من السهل الحصول على الشهادات، سواء بالدراسة أو حتى كما يفعل البعض بشرائها، غير أن الصعب هو التطبيق، فما فائدة تلك الشهادات إذا لم تكن هناك استفادة منها؟ وما فائدة أن أغلبيتنا متعلمون، في حين لم نستطع إلى الآن أن نفعل شيئاً يفخر به أبناؤنا ويذكرهم بنا، كما نذكر نحن آباءنا وأجدادنا ونتفاخر بهم وبأفعالهم، "إن الفتى من قال هاأنذا، وليس الفتى من قال كان أبي".

للأسف "نحن نعيش في زمان عندما يمدح الناس شخصاً، فقليل يصدق ذلك، وعندما يذمونه فالجميع يصدق"، "فمن مفاسد هذه الحضارة أنها تسمي الاحتيال ذكاءً، والانحلال حريةً، والرذيلة فناً، والاستغلال معونةً"، فكيف يمكننا أن نرقى ببلدنا إذا كانت هذه المبادئ هي السائدة لدينا.

إذا أردنا أن تكون كويتنا كسابق عهدها عروس الخليج فيجب علينا أن نعيد صفوف وحدتنا وأولوياتنا والاهتمام بالمصلحة العامة والبعد عن الأنانية والعنصرية بشتى أنواعها والعمل بضمير بهدف رفعة دولتنا الحبيبة لكي نستطيع مواكبة التطور وترك بصمة إيجابية لأبنائنا وللأجيال القادمة.

back to top