المسرحون... نكتة كويتية جديدة


نشر في 05-08-2014
آخر تحديث 05-08-2014 | 00:01
 أحمد عيسى التعاطي الرسمي والسياسي مع قضية المسرحين، كشف قبحاً في معالجة مشكلة خلقت من لا شيء. وأدى التداخل إلى تضارب الأرقام الفعلية في قضية المسرحين فهناك مَن يقول إن عددهم بلغ 4 آلاف، بينما تؤكد المؤسسة العامة للتأمينات أن الرقم الفعلي 900 كويتي فقط، والشؤون لاتزال تبحث عن الرقم!

كنت ولا أزل من أشد المطالبين بدفع الكويتيين للعمل في القطاع الخاص لأسباب وطنية، وأخرى ذات طابع اقتصادي ليبرالي بحت.

لكن ما كشفته المعلومات المتواترة حول أوضاع الكويتيين العاملين في القطاع الخاص، دعتني إلى إعادة النظر في قناعاتي، خصوصاً بعد دخول نواب البرلمان على الخط وتبنيهم القضية بشكل مفاجئ ومثير للاستفهام.

بداية، دعمت الدولة توجه الكويتيين لدخول القطاع الخاص عام 2000 بعد أن أقر البرلمان قانون دعم العمالة الوطنية المعروف بالقانون رقم 19 لسنة 2000، والذي يلزم الدولة بتحمل العلاوة الاجتماعية والأولاد وأخرى تقدم كدعم مربوط بالمؤهل الدراسي، لكل الكويتيين الراغبين في العمل في القطاع الخاص، ويلزم في جانب آخر مؤسسات القطاع الخاص تعيين نسبة من العمالة الوطنية ضمن هياكلها الإدارية، تتفاوت بحسب طبيعة العمل، ثم تلا ذلك إضافات وتعديلات بموجب قرارات مجلس الوزراء تقضي برفع أو تقليص النسبة أو إضافة وحذف مهن من القوائم.

وبموجب القانون تأسس جهاز إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة التابع لديون الخدمة المدنية، وتحددت اختصاصاته بمتابعة شؤون العمالة الوطنية في القطاع الخاص، والبحث عن فرص وظيفية لهم، ودفع بدل للبطالة لمن لم يتمكن من الحصول على وظيفة، ومعظمهم بالمناسبة من ربات البيوت وغير المؤهلين علمياً.

رسمياً لدينا جهاز حكومي معني بمتابعة ملف العمالة الوطنية في القطاع الخاص الكويتي، لكن فعلياً هناك تعارض واضح في آليات العمل، إذ تفرض الدولة النسب، ويتابعها الجهاز، فيما يتداخل عمله مع عدة جهات حكومية أخرى، أولها وزارة الشؤون التي تتابع من جانبها تنفيذ الشركات للقانون، وتفرض عليها غرامات في حال المخالفة، وتصدر لها شهادات تؤهلها للدخول في المناقصات الحكومية، ثم تأتي مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي تعنى من ناحيتها بجميع الموظفين الكويتيين بمن فيهم العاملون بالقطاع الخاص، وبدورها أيضا تصدر شهادات خاصة تتعلق باختصاصها حول ذات المسألة.

التداخل أدى إلى تضارب الأرقام الفعلية في قضية المسرحين التي يتبناها نواب مجلس الأمة هذه الأيام، فهناك مَن يقول إن عدد المسرحين بلغ 4 آلاف كويتي، والمؤسسة العامة للتأمينات تؤكد أن الرقم الفعلي 900 كويتي فقط، والشؤون لاتزال تبحث عن الرقم، فيما لا يملك جهاز إعادة الهيكلة رقماً رسمياً، فاعتمد على ما جاءه من مؤسسة التأمينات، أي أن لدينا حكومة واحدة، تتابع ملفاً واحداً، يتعلق بمسألة واضحة، لكن الإجابة عن السؤال نفسه تأتيك بأرقام مختلفة ومتضاربة.

ناهيك عن فوضى أخرى، تتلخص في أن وزارة الشؤون لم تحسم بعد مسألة رفع النسبة، بينما رفعها الجهاز من جانبه منفرداً، وهو ما أدى إلى إحداث ربكة دفعت كثير من الشركات إلى تأجيل أي تعديلات وتغييرات إدارية لحين حسم الجدل الحكومي- الحكومي، فالنسبة الحالية 2% على مجمل الموظفين، دون تحديد وظائف، تطبقها وزارة الشؤون، فيما سيرفعها التعديل إلى 17% مع تحديد الوظائف، رفعها بالفعل جهاز إعادة الهيكلة، وكان يفترض تطبيق القرار في يونيو الماضي، وترحّل موعد تطبيقه إلى منتصف سبتمبر المقبل، وتنامي معلومات عن احتمال تأجيله إلى نهاية العام، إن لم يكن إلغاء القرار من أساسه، وهذا بحد ذاته يكلف الشركات المترقبة للقرار أموالاً غير مقدرة بميزانيتها للعام الجاري.

المسألة الأخرى، تتعلق بمدى استعداد الكويتيين أنفسهم للعمل في القطاع الخاص، وهو بدوره نكتة بحد ذاتها، إذ لا يوجد لدينا حفز فعلي رسمي وشعبي للعمل في القطاع الخاص، وهو ما قابله الكويتيون أنفسهم بفتور تجاه العمل في القطاع الخاص، ناهيك عن عدم استعدادهم العملي والمهني للعمل وتولي المسؤولية، وهذه أقولها من حصيلة تجارب مريرة راقبتها شخصياً.

الحاصل الآن أن هناك تغاضياً متعمداً عن التجاوزات الحادثة في موضوع الكويتيين العاملين في القطاع الخاص، إذ تحولت قضيتهم إلى مجرد مبلغ يستحقونه نظير تسريحهم من العمل، ومزايدة حكومية يقابلها تصعيداً نيابياً، مع العلم بأن أغلبهم كان يحصل على راتب لا يستحقه، لكن للأسف تعاطى الجميع مع هذه القضية وفقا لخلفياتها «الشعبية» لا الفنية، واعتماداً على مبدأ لأنهم كويتيون فإنهم يستحقون أموالاً من الدولة.

التعاطي الرسمي والسياسي مع قضية المسرحين، كشف قبحاً في معالجة مشكلة خلقت من لا شيء، فهناك جهاز حكومي يدفع بدل بطالة لغير العاملين والمسرحين، وهناك وزارة تفرض غرامات على شركات لا تطبق نسب العمالة الوطنية، وهناك شركات ملتزمة بمبدأ التكويت وفقاً لمنطلقات وطنية، وأخرى لأسباب تجارية واقتصادية وبعضها يصل إلى الحد السياسي، فلماذا نكلف الدولة مبالغ من المال العام تدفع لأشخاص قرروا بملء إرادتهم العمل في القطاع الخاص، والتنفع من الامتيازات الممنوحة لهم، وعليهم تحمل تبعات قراراتهم؟

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن قرار منح المسرحين مبالغ من المال العام سيكلف الدولة أكثر من الملايين الخمسة التي يناضل لمتابعتها نواب مجلس الأمة، بعد إسدال ستار استجواب وزير الداخلية، لكن هذه هي الكويت، مَن يدافع عن المال العام بالأمس، يبقى بطلاً، حتى مع مساعيه لإهداره اليوم.

back to top