أحمد العدواني... مترجم مشاعر الكويتيين في النشيد الوطني (1-2)

نشر في 22-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 22-07-2014 | 00:02
قدم أعمالا لا تزال تنبض بالحياة

لم يكن أحمد مشاري العدواني، مجرد شخص عابر في هذا الزمان وطئت قدماه لحظة في تاريخ هذا الوطن، بل كان موقفاً حاضراً، والرجال مواقف.
تعلمنا منه كيف نحب الوطن، عندما أصبحنا نردد كل يوم نشيدنا الوطني {وطني الكويت سلمت للمجد}، ولئن كانت بصماته كثيرة وجليلة في مسيرة الحركة الثقافية المحلية والعربية، فإننا نحتاج إلى الوقوف على الأقل أمام بعضها من باب الرصد والتوثيق، ونحن نتذكر هذا الأديب والشاعر.
ولد أحمد مشاري العدواني في حي القبلة (1923)، وانخرط في المدارس البدائية وتابع مشواره التعليمي في المدرسة المباركية، عام 1939 سافر إلى القاهرة وأكمل دراسته في اللغة العربية في الأزهر الشريف، فكان أحد العناصر المتميزة في المشاركة الفعلية بأول مركز لرعاية الفنون الشعبية لجمع التراث الشعبي الذي أنشأته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل (1957)، وقدّم أعمالاً خالدة لا تزال تقدم حتى الآن من بينها: «هولو بين المنازل» ألحان أحمد باقر وغناء شادي الخليج، يقول مطلعها:

هولو بين المنازل

أي والله أسمر سباني

هولو حلو الشمايل

أي والله زين المعاني

{لي خليل حسين} من ألحان أحمد باقر وغناء شادي الخليج ويقول فيها:

لي خليل حسين

يعجب الناظرين

جيت أنا أبغى وصاله

كود قلبه يلين

علاقة وثيقة

يتذكر الشاعر أحمد مشاري العدواني علاقته مع الفنان السفير حمد الرجيب وأحمد باقر وشادي الخليج فيقول: {أذكر عندما نظمت أغنية {هولو بين المنازل}، وقبل بدء تنفيذها، أعجبتني نغمة الهولو القديمة التي يرددها البحارة، فظللت أذهب، على فترات متقطعة، إلى مركز الفنون الشعبية، وكان حمد الرجيب والملحن أحمد باقر والمطرب شادي الخليج يرافقونني أحياناً، وأظل أستمع إلى اللحن المرة تلو المرة حتى تشربته، وبقدر ما أعجبني اللحن فإن الكلمات لم تعجبني، وانصرفت إلى البيت وجلست أكتب أغنية لهذا اللحن الجميل، فأتممتها في فترة قصيرة، وقرأتها على حمد وأحمد واتفقنا على أن يغنيها شادي ويلحنها أحمد باقر الذي أعطاها في الواقع لحناً جيداً وأداها شادي بشكل رائع، برأيي هي إحدى الأغاني التي توافرت لها كل عناصرالنجاح. فقد حاولت في أغنية {هولو} أن أستعمل صوراً وأخيلة عربية في الأغنية الكويتية، بشكل مناسب، وأربط بين العامية والفصحى، فتخرج الأغنية الكويتية عن نطاقها المحلي إلى النطاق العربي... وأعتقد أنني وفقت}.

اهتمامات مختلفة

عام 1952، شارك في إصدار مجلة «الرائد» عن نادي المعلمين، وفي عام 1954، انخرط في سلك التدريس، فعمل مدرّساً للغة العربية في ثانوية الشويخ، وعقب ذلك بعامين عمل سكرتيراً عاماً في إدارة المعارف، ثم معاوناً فنياً في إدارة المعارف، وخلال عمله في التربية ساهم في وضع مناهج اللغة العربية وراجعها.

 عام 1963، صدر مرسوم أميري بتعيينه وكيلاً مساعداً في التربية، ثم عين وكيلاً مساعداً لشؤون التلفزيون (1965)، ورغم المهام التي أداها لم يغب عن ذهنه الجانب الإبداعي إذ استمر في تقديم نتاج شخصي، وتدرج في عمله في الإعلام إلى أن أصبح وكيلاً مساعداً للشؤون الفنية عام 1966، في العام نفسه أنشأ مركز الدراسات المسرحية.

وفي مجال المطبوعات الأدبية، أصدر سلسلة «من المسرح العالمي»، ومجلة «عالم الفكر». أنشأ المعهد الثانوي للموسيقى (1972)، وعيّن أميناً عاماً للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب(1973)، منذ ذلك التاريخ وحتى تقاعده خطط مع زملائه على رأسهم عبدالعزيز حسين، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيس المجلس الوطني، ونفذ مشروعات وبرامج ثقافية من أبرزها تأسيس قسم التراث العربي والتراث الموسيقي وصالة الفنون التشكيلية. كذلك أنشأ المعهد العالي للموسيقى (1976)، المعهد العالي للفنون المسرحية، وفي العام الذي تلاه أصدر سلسلة «عالم المعرفة». ثم حاز جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (1980)، وفي العام ذاته أصدر ديوان «أجنحة العاصفة» ثم مجلة الثقافة العالمية (1981).

قالوا عنه

تنوعت اسهامات أحمد العدواني في الأدب والفنون، وسعى إلى تكوين علاقات إنسانية وطيدة مع الآخرين، فقد كان حسن المعشر وطيب القلب. قال فيه الفنان فؤاد الشطي، بعد رحيله، إنه قامة سامقة لا يمكن اختصار مشواره في بعض الكلمات، {مما لاشك فيه أن للفقيد الراحل الكبير الأستاذ أحمد مشاري العدواني الكثير من العطاءات الشامخة، التي ستظل متأصلة في تاريخ الحركة الثقافية الكويتية عموماً، والحركة الفنية خصوصاً}.

يضيف: {في قناعتي الخاصة يعتبر أحد أهم شعراء العرب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، فهو صاحب خيال شعري خصب، وكلمة رشيقة، عذبة وسلسة، تصل إلى الوجدان عن طريق العقل، فيحس الإنسان بأوجاعه وأفراحه بشكل يتطلع من خلاله إلى غد أفضل}.

أما الشاعر الغنائي عبداللطيف البناي فقال:}لا أحد يستطيع التعبير عن مدى الحزن القابع في القلوب لفقدان الشاعر أحمد العدواني، لقد كان علماً بارزاً في سماء الكويت وسيظل كذلك، فقد خلد اسمه وخلد كويتنا الحبيبة بالنشيد الوطني، وأثرى الساحة الفنية بأشعاره الجميلة وأحاديثه الشجية وأفكاره النيرة، وأفعاله التي لا تنسى والتي ستذكره أبد الدهر}.

وبدوره، قال الفنان محمد المنصور: {لم يرحل عنا الشاعر الكبير أحمد العدواني كأديب وشاعر وإنسان بل رحل جسداً لأن الجسد فانٍ، كانت ثمة علاقة صداقة بيني وبين الأستاذ العدواني، ولقاءات دائمة، سواء في الكويت أو في القاهرة، البلد المضياف الذي يجمع كل ما هو رفيع المستوى من أدب وشعر وموسيقى. كان العدواني بطبعه كثير الارتحال من مكان إلى آخر ومن غصن إلى غصن، فكان كالشجرة الوارفة الظلال يظلل كل من حوله بحب وتقدير.

من جانبها، استذكرت الفنانة مريم الصالح مواقف جمعتها بالراحل، موضحة أنها احتكّت بالفقيد الكبير في السبعينيات عندما كانت تعمل معه في قسم الموسيقى، {وكان الأستاذ الكبير هو القائم على إجازة الأغاني، فتعرفت إليه عن قرب في بدايات المسرح الكويتي... وكانت له أحاسيس ود وعطف مع كل من يعمل معه... وهو ذو عقلية متفتحة معطاءة تفكر في العطاء بسخاء للكويت الحبيبة، إنه إنسان بكل معاني الإنسانية، ومعلم ومثقف ومفكر، إنه جزء من تاريخ الكويت وثقافتها}.

back to top