«الداعش» وأخواتها... فعل ناقص... وعلامة مشبوهة

نشر في 05-10-2013
آخر تحديث 05-10-2013 | 00:01
 يحيى علامو الأزمات الكبرى عادة ما تولد خيارات صعبة، وقد تكون مؤلمة أحيانا مما يلزم المرء التعامل معها كأمر واقع، مع الإصرار على بذل الجهد الممكن لتخفيف ما أمكن من الآثار السلبية الناجمة عنها، من خلال قراءة واقعية لما يحدث، والتي تعني بالضرورة إيجاد مخارج معقولة تنسجم استراتيجياً مع الحدث.

الثورة السورية هي حدث كبير بلا شك قياساً إلى طبيعة النظام، وما أنتج من عقم وانسداد قاربا الخمسة عقود، والذي فرض خياراً صعباً على السوريين للتعامل مع شدته في التصدي للثورة لإجهاضها، ألا وهو "العسكرة" التي جرّت بلا شك الويلات على الشعب السوري من خلال تدمير ممنهج للوطن أرضاً وشعباً أراده النظام عقاباً على التجرؤ على معارضته، إضافة إلى تدمير حواضن الثورة، ناهيك عن انفتاح البلاد على مصراعيها أمام تنظيمات "القاعدة" بأشكالها المختلفة التي تمثل النقيض لأهداف الثورة ومشروعها الوطني في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي أضحت عبئاً بل عالة على الثورة، لأنها وصمتها بالتطرف، وهذا أدى بالضرورة إلى غياب الدعم عنها بكل أشكاله عربياً ودولياً، ناهيك عن السلوك التكفيري الذي تنتهجه هذه التنظيمات، والذي استفز أغلب السوريين وأفاد النظام كثيراً في تكتيكاته الإجهاضية.

"الداعش" وأخواتها تنظيمات متأسلمة شديدة التكفير، منها مشبوه أمنيا ويتبع جهة أو أكثر، ومنها ما صنعته ازدواجية السياسات الدولية عموماً وتماهيها مع أنظمة الاستبداد باعتبارها الضامن الموثوق لمصالحها، ناسية هذه الجهات والدول أو غير مدركة أن كل خطوة تعادي إرادة الشعوب هي خطوة مؤكدة باتجاه التطرف والتكفير والأسلمة التي تجتاح بعض كتائب الثورة، التي باتت أقرب للتشدد، ومنها من انشق عن الجيش الحر، تؤكد حالة الإحباط من السياسات الأميركية والدولية عامة تجاه الثورة السورية والتي ساهمت بشكل أو بآخر في مساندة "الإجرام الأسدي" وإطالة أمد المحنة، وهذا بلا شك أضعف الطرف المعارض المعتدل وساهم في تمزيقه داخلياً، وكأنها خطوة مقصودة دولياً في سبيل إجهاض الثورة لإدراكها أن إرادة الشعوب غير قابلة للتداول عكس أنظمة الاستبداد.

 مجلة "نيويوركر"الأميركية أسهبت كثيراً في تعريف شخصية قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني" والذي اعتبرته أقوى رجل في الشرق الأوسط لدوره الفاعل في ملفات كثيرة كأفغانستان والعراق وغيرها.

وقد أظهرت بوضوح العلاقة التحالفية بين إيران و"القاعدة" والدور الكبير لقاسم سليماني في هذه العلاقة من خلال إعطاء الأوامر للقيادة السورية بفتح الحدود وتسهيل مهمة "القاعدة" وكل المتطرفين السنّة عبر سورية إلى العراق إبان الاحتلال الأميركي للعراق. وتؤكد المجلة أنه تم السماح لـ"القاعدة" بحرية الحركة في إيران إثر تراجع حظوظ اجتياح أميركا لكل من إيران وسورية بهدف استنزافها وإضعاف قدرتها.

وها هما النظامان الشريران الإيراني والسوري يعيدان الكرّة في الوضع السوري، حيث بادرا إلى دفع هذه التنظيمات بشكل أو بآخر السنّية منها أو الشيعية إلى العبث بالحالة السورية لتصوير الثورة بأنها حاضنة التشدد الإسلامي وإشغال الجيش الحر عن مهمته الأساسية بإسقاط النظام السوري من خلال صراعاته معهم تمهيداً لإنهائه. وهذا ما أكده مصدر قريب من الرئيس الأسد حسب رواية صحيفة "الراي" الكويتية الذي أكد أن النظام وحلفاءه يعتمدون على "جبهة النصرة" و"دولة الشام والعراق" لضرب الجيش الحر خصوصاً بعد عملية "اعزاز" وعمليات مماثلة لها للسيطرة على أراض غير خاضعة للنظام السوري.

ويضيف المصدر وهؤلاء سيكونون عوناً لنا لأنهم يقفون ضد "جنيف- 2" وضد كل الأطراف ولا يعترفون أصلاً بدولة متعددة الطوائف، ولا يستبعد المصدر أن يضطر أعداء النظام أن يلجؤوا إليه لضرب هؤلاء المتشددين إذا ما استطاعوا القضاء على الجيش الحر، ومن هنا يتضح لنا الدور المشبوه لهذه الجماعات التي ما انفكت تتقدم على الأرض السورية وتفرض سلطانها وسلطاتها على الأرض بعدما باتت الخاصرة الرخوة في جسد الثورة.

"معركة أعزاز" أظهرت الهوية الوطنية والأخلاقية للجيش الحر، وهذه لم ترق للبعض في الداخل والخارج معاً ممن يضمرون الشر لهذه الثورة، فلجؤوا إلى إحداث بعض الانشقاقات بالجيش الحر وتشكيل بديل تحت مسمى "جيش الإسلام" بهدف تمزيق الثورة كما أسلفنا وإضعاف المعارض في مؤتمر جنيف- إن عقد- وهذه ضمن الاستراتيجية التي ذكرها المصدر.

 ندرك حجم المخاطر من وجود هذه الجماعات على الأرض لأنها مشبوهة، وهي أكبر معاد لمفهوم الدولة والحياة معاً، وهي لن تألو جهداً في خراب وتدمير الأوطان في حال محاربتها باعتبارها الوجه الآخر للنظام الأسدي... وها هي الآن تخوض حرباً مع الجيش الحر للسيطرة على معبر "باب السلام" مع تركيا ناسية جهادها ضد النظام السوري... ولكن لا مناص من مواجهتها رغم الحكمة الشديدة بالتعامل معها من قبل الثوار، ولا ينفع التشتت على صعيد المعارضة لأن الثورة باتت بين شرين يريدان إجهاضها؛ فإما أن تبقى وإما أن تشد الصفوف وتتماسك لتحقيق أهدافها، إذ لا يعقل لثورة قدمت كل هذه التضحيات وبعدها تطحن أهدافها بين حجر النظام وطاحون التأسلم والتكفير "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت"، وعلى المنساقين وراء شعارات التأسلم أن يعلموا أن هؤلاء التكفيريين ما دخلوا أرضاً إلا وجعلوها خراباً، فانظروا إلى الصومال وأفغانستان وباكستان واليمن والجزائر ومالي وآخرها ما حدث في كينيا... فهل نعي ونتعظ؟ نأمل ذلك.

back to top