سورية تتحول إلى صومال أخرى

نشر في 25-01-2013
آخر تحديث 25-01-2013 | 00:01
 جي ام اف فَقَد بشار الأسد كل أمل في تحقيق النصر ضد الانتفاضة السورية، التي تحولت (بسبب فظائع ارتكبها نظامه) إلى حرب أهلية طاحنة، إذ أقر أنه بات عالقاً في صراع لا فائز فيه، صراع بين متمردين مصممين على التخلص منه وأنصار مترنحين ميالين إلى العنف والوحشية، ويبدو أن سورية ستواصل انحدارها نحو المزيد من العنف، ما لم تتبدل المصالح الدولية وتتدخل الدول الأجنبية وتضع حداً لهذه المأساة.

من المؤسف أن هذه المعاناة لا تزال بعيدة كل البعد عن خواتمها. يملك بعض اللاعبين الدوليين، خصوصا إيران وروسيا، مصلحة كبيرة في إطالة الأزمة السورية، في حين يعتقد آخرون، لا سيما الولايات المتحدة، أن التدخل مستحيل من دون الحصول أولا على إجماع دولي، لكن السعي وراء هذه الوحدة الدولية البعيدة المنال يؤدي إلى المزيد من سفك الدم، وإن لم يشهد المسار الحالي أي تغيير فقد يتسبب هذا السعي بكارثة إنسانية كبرى. فكان يتعين منذ زمن تشكيل ائتلاف من الدول المستعدة للتدخل والقادرة على وقف العنف المدمر في سورية وتفكك النظام الإقليمي.

ولكن في ظل غياب أي خطوات حازمة، يؤدي التدمير المنظَّم للمدن، والبلدات، والقرى السورية على يد قوات النظام إلى غياب القانون والنظام في مناطق شاسعة باتت تفتقر إلى البنى التحتية والموارد الأساسية. نتيجة لذلك، هُجر الكثير من هذه المناطق المدمرة في الريف والمدن على حد سواء، ما دفع بمَن ما زالوا يقيمون فيها إلى اللجوء إلى المقايضة وأسياد الحرب ليضمنوا بقاءهم. حتى إن مدينة حلب العريقة صارت اليوم مشوهة بعد أن كثرت فيها مشاهد الدمار، التي خلفتها قوات النظام الجوية ومدفعيته. كذلك تضم حماة، وحمص، وإدلب، ومعرة النعمان وغيرها من المدن اليوم أحياء كثيرة قوّضت بالكامل.

ولكن ثمة عناصر أساسية أخرى ستؤدي إلى مآسٍ إضافية، ففي السنتين الأخيرتين، تخلصت سورية من الخوف الذي كان يُستخدم كأداة للسيطرة المركزية، إلا أنها لم تشهد ولادة بديل يساهم في استقرارها، فوقف العالم عاجزاً، على ما يبدو، بينما راح قتلة النظام يطاردون القادة المدنيين وعناصر المجتمع المدني في سورية ويتخلصون منهم.

 نتيجة لذلك، عندما بدأت حكومة دمشق بالتراجع، حلّ محلها خليط من أسياد الحرب والميليشيات شبيه بما نراه في الصومال، فسيطر هذا الخليط الجديد على المناطق التي تركتها قوات النظام بالقوة والتهويل، وما زاد الطين بلة تأثيرات التهجير الداخلي، الذي تحوّل معه توزيع السلطة الجديد هذا إلى خطر متنقل نتيجة تدفق اللاجئين عبر الحدود.

استطاعت تركيا، بفضل مواردها الكبيرة وإدارتها الأزمة بطريقة مدروسة، أن تحتوي تأثيرات حصتها من اللاجئين السوريين الهاربين، لكن الوضع بدا أكثر اضطرابا في العراق، خصوصاً أن حكومة إقليم كردستان متورطة مباشرة في المناطق السورية ذات الغالبية الكردية. ويبدو أن بغداد لا ترى سبيلاً إلى التعامل بفاعلية مع المطالب المتعددة الناتجة عن الأزمة السورية، نظراً إلى الاضطرابات الداخلية في العراق بحد ذاته. صحيح أن إسرائيل قلقة بشأن الوضع في سورية، إلا أن عداوتها الطويلة مع هذه الدولة حمتها مؤقتاً من تدفق اللاجئين، لكن هذا لا ينطبق على الملكية في الأردن، حيث بات النظام الوطني القائم مهدداً نتيجة الضغوط المتراكمة الناجمة عن أزمة اللاجئين السوريين وازدياد جرأة المعارضة الداخلية.

لكن لبنان يبقى بالتأكيد الأكثر تأثراً بين جيران سورية، ففضلاً عن حكومته الضعيفة ومعاناته الدائمة بسبب انقساماته الطائفية، يُضطر هذا البلد إلى التعامل مع تدفق اللاجئين إلى أراضيه بأعداد كبيرة. كذلك، شهدت حدوده غير المضبوطة خروقات من سورية وإليها، إذ انضم الكثير من المقاتلين اللبنانيين إلى طرفَي النزاع في سورية. وما هي إلا مسألة وقت قبل أن يعود هؤلاء المقاتلون إلى بلدهم مع تبدل الأوضاع في سورية، وقد يمنح هذا التطور "حزب الله" الفرصة للسيطرة مباشرة على لبنان، موازنا بالتالي تأثير خسارته ما وصف بأنه مصدر دعمه السوري. في الوقت عينه، يبدو جليّاً أن "جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في سورية، ستحقق تقدماً إضافياً في ظل الفوضى المتوقعة.

هل كان من الممكن تفادي الكثير من المآسي السورية لو أن التحالف الأطلسي اتخذ خطوات أكثر حزماً؟ صارت أهمية هذا السؤال تاريخية أكثر منها عملية، فيبدو أن سورية ستتحول لا محالة إلى دولة صومالية أخرى، ولا شك أن انعكاسات هذه المسألة على المنطقة ستكون أليمة، خصوصا إن تمسكت الولايات المتحدة وأوروبا بمسلكهما الحالي واكتفتا بالانتظار ريثما تنتهي الأزمة السورية.

* Hassan Mneimneh باحث بارز في صندوق مارشال الألماني في العاصمة الأميركية واشنطن

back to top