الخطأ في تعريف الحرب الأهلية في سورية

نشر في 22-10-2013
آخر تحديث 22-10-2013 | 00:01
 سامي محروم يربط الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا لإزالة الأسلحة الكيميائية السورية بين عملية نزع السلاح والمفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية التي تدور رحاها في البلاد، وهو نهج معقول بكل تأكيد، ولكن من المؤسف أن مشكلتين رئيستين في العملية المقترحة التي تستضيفها جنيف ستمنعانها من تحقيق الغاية منها، ورغم ذلك، فهناك صيغة بديلة قد يُكتَب لها النجاح.

إن المشكلة الأولى في النهج الأميركي الروسي تتلخص في الفشل في إدراك المعوقات التي تواجه الأطراف المتحاربة، فالنظام الحالي- الذي ظل قائماً لأكثر من أربعين عاماً كفاعل وحدوي شمولي- لا يملك حيزاً كبيراً لتقديم التنازلات: فليس هناك وجود لما قد نطلق عليه وصف دكتاتورية بدوام جزئي، وأي اتفاق سياسي مع المعارضة سيتطلب التنازل على الأقل عن بعض السيطرة على الموارد السياسية والأمنية والاقتصادية التي كانت من قبل تحت سيطرة أسرة الرئيس بشار الأسد والدائرة المقربة منها.

ومن غير المرجح أن يقبل نظام مدين لمؤيديه إلى هذا الحد بمثل هذه النتيجة التي من شأنها أن تحد من قدرته على مكافأة- والأهم من ذلك حماية- الموالين له في الداخل والخارج. على سبيل المثال، من المستبعد أن تتمكن سورية ما بعد الصراع، حيث تسيطر المعارضة على جزء كبير من الدولة، من الحفاظ على علاقات قوية مع إيران و"حزب الله". والمعارضة أيضاً في موقف مماثل، ولكن لسبب معاكس: فهي بعيدة كل البعد عن كونها جهة فاعلة موحدة، فالمعارضة التي تتألف من تشكيلة غير منظمة من جماعات شديدة التباين، من غير المرجح أن تشهد ديناميكية أشبه بتلك التي نراها على جانب الحكومة، حيث من المتوقع أن تترك أي صيغة تفضي بتقاسم السلطة، ولو كانت مؤقتة وانتقالية، لمعارضي الأسد موارد أقل من تلك التي كانت ستصبح بين أيديهم لو تمكنوا من السيطرة على الدولة بالكامل. وهذا وحده من شأنه أن يزيد من حدة الصراع والانقسام بين أطياف المعارضة، ومن المحتمل أن يدفع كثيرين داخل صفوفها إلى رفض أي تسوية سلمية، فيطول أمد الصراع.

وتكمن المشكلة الثانية في النهج الذي تتبناه عملية السلام الأميركية الروسية في تعريف أطراف الصراع: نظام الأسد والمعارضة. إن بعض شرائح المجتمع السوري، خصوصاً الأقليات الدينية، تصطف في جانب النظام خوفاً من المجهول؛ ولكنها لا تثق بقدرة النظام على حماية مصالحها، ويصدق هذا بشكل خاص بالنسبة إلى المسيحيين والدروز، ولكنه صحيح أيضاً بالنسبة إلى العناصر العلمانية بين الأغلبية السُنّية.

والمطلوب الآن تغيير الطريقة التي يُنظَر بها إلى الصراع، فالحقيقة هي أن كلاً من النظام والمعارضة يتألف من طائفة واسعة من الجماعات التي تصطف على جانب أو آخر من الصراع لمجموعة متنوعة من الأسباب التي تخص كل فئة بعينها.

وحتى الآن، لم يدرك المجتمع الدولي هذا التنوع إلا على جانب المعارضة. وقد سمح هذا للنظام بادعاء بعض الشرعية لنفسه، في حين ينكر على جماعات الطرف الثالث المروَّعة أي صوت. وبالتالي فبدلاً من الإصرار على عملية السلام التي تجمع النظام والمعارضة معاً، ينبغي للمسار السياسي إلى السلام في سورية أن يجمع بين الشرائح المختلفة العديدة في المجتمع السوري، بصرف النظر عن الجانب الذي تتخذه من الصراع.

وينبغي لممثلي العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد والسُنّة، فضلاً عن ممثلين للجماعات غير الدينية والأقليات الأصغر حجماً، أن يذهبوا إلى جنيف للمساعدة في إنشاء عقد سياسي جديد من أجل سورية جديدة. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن اختيار الممثلين عن كل الأطياف سيكون مهمة بالغة الصعوبة، ولكن لأن المحادثات ستستهدف التوصل إلى ميثاق وطني واسع (يتفق على قضايا مثل حرية التعبير والعقيدة) والاتفاق على فترة انتقالية مؤقتة وحكومة وحدة وطنية، فمن الممكن اختيار الممثلين من الحكماء- النساء والرجال المعروف عنهم أنهم يتمتعون باحترام مجتمعاتهم.

ويساعد هذا النهج في الالتفاف حول مشكلة اختيار ممثلين للنظام والمعارضة، وهي العقبة التي حالت حتى الآن دون بدء محادثات جنيف. وسوف يساعد تكوين فِرَق التفاوض على أسس أيديولوجية وعرقية وطائفية في تجاوز التقسيم الذي يضع النظام في مقابل المعارضة. وبهذا يصبح بوسع المجموعات التي يدعي النظام أنه يمثلها أن تمثل نفسها بشكل مباشر، وهو ما قد يخلق لديهم الحافز لفصل أنفسهم عن دعمهم للنظام.

ومع ذلك فإن الانتقال من عملية التفاوض بين طرفين إلى عملية متعددة الأطراف لا يخلو من العقبات، فالمفاوضات المتعددة الأطراف تميل إلى كونها أكثر تعقيداً ومن الممكن أن تطول إلى ما لا نهاية، لكنها أيضاً أكثر ديمقراطية وأوسع تمثيلاً، ومن الممكن أن يساعد التصميم الماهر لعملية التفاوض والتيسير لها في تذليل الكثير من العقبات والتحديات.

ولهذا السبب فمن الأهمية بمكان وضع حدود صارمة لأجندة التفاوض، فالاتفاق على الالتزام بدولة ديمقراطية علمانية تتسامح مع كل الأديان، على سبيل المثال، لابد أن يكون كافياً، ومن الممكن أن يُستَعار إطار الفترة الانتقالية من السوابق الناجحة كتلك التي تأسست في جنوب إفريقيا، وأخيراً في اليمن. ومن الممكن أن يساعد المعاونون من الأمم المتحدة الأطراف المشاركة في التوصل إلى اتفاقات بشأن تشكيل الحكومة ورسم خريطة طريق لوضع دستور جديد وعقد استفتاء وإجراء انتخابات.

السؤال الآن هو: ما الذي قد يحدث إلى أن يُجرى هذا الحوار وخلاله؟ وهنا يستطيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يلعب دوراً مهماً. إذ لابد أن يكون من الأسهل بالنسبة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خصوصاً الصين وروسيا، أن تدعم خطة للحوار بين السوريين تجمع كل الأطراف معا. وسيسمح مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية لفرض وقف إطلاق النار، بصرف النظر عن مصدر الانتهاكات. وقد تذهب كل من الولايات المتحدة وروسيا خطوة أبعد من هذا من خلال إنشاء مركز للعمليات المشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار ومنع التدفقات الجديدة من الأسلحة أو المقاتلين من دخول البلاد.

إن المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا جنباً إلى جنب مع تركيا والمملكة العربية السعودية وإيران، لن يكون له دور في الحوار بين السوريين، ولكن دعمه سيكون حاسماً، لأنه سيتعهد بدعم أي اتفاق يتوصل إليه الحوار ورفض أي صفقة قد تعني تفكك البلاد. فبدون التعهد بالحفاظ على وحدة سورية، لن يبدي إلا قِلة قليلة من السوريين أي استعداد للتفاوض. ومن دون مفاوضات شاملة لن تنتهي الحرب.

* المدير الأكاديمي لمبادرة الإبداع والسياسة في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (INSEAD).

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top