هندسة الأمن الإقليمي في ضوء الصفقة مع إيران!

نشر في 13-03-2013
آخر تحديث 13-03-2013 | 00:01
يبقى التوصل إلى حل نهائي للمأزق القائم بشأن إيران عبر تقديم التنازلات النووية مقابل رفع العقوبات أمراً مستبعداً، لمتابعة التقدم في هذا الملف، يجب ألا تفكر القوى العظمى بأزمة إيران الاقتصادية فحسب بل بمشكلتها الأمنية أيضاً.
 سي إف آر غداة اجتماع القمة في كازاخستان بين إيران والقوى العظمى، ساد شعور غير مألوف بالتفاؤل في العواصم المعنية.

بعد أن ردت وسائل الإعلام والسياسيون في إيران على تلك الاجتماعات في الماضي بإصدار مواقف استنكار ووعود بالتحدي، استعمل المسؤولون التابعون للنظام هذه المرة نبرة معتدلة وأصدروا تصريحات مقبولة. حتى المسؤولون الأميركيون المرهقون الذين اعتادوا على عناد الإيرانيين بدوا متفائلين بعض الشيء.

بعد مرور عقد تقريباً من الجهود الدبلوماسية، ثمة بصيص نور في نهاية النفق الذي يعكس أطول الأزمات في العالم، إذ يكمن التحدي خلال جولة المحادثات المقبلة، في شهر أبريل، في ترسيخ التقدم الذي تم إحرازه وعقد اتفاق متماسك للحد من الأسلحة أخيراً.

يرتكز الجانب الأساسي من الاستراتيجية الغربية على فكرة تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل التنازلات النووية التي تقدمها إيران. في اللغة الدبلوماسية، تُعرف هذه المقاربة باسم "المزيد مقابل المزيد": كلما قدمت إيران تنازلات نووية إضافية، حصدت منافع مالية إضافية.

لقد نجح نظام العقوبات الذي أعدته إدارة أوباما بأكثر مما توقعه المشككون وساهم في عزل إيران عن الاقتصاد العالمي.

لكن يبقى التوصل إلى حل نهائي للمأزق القائم عبر تقديم التنازلات النووية مقابل رفع العقوبات أمراً مستبعداً. لمتابعة التقدم في هذا الملف، يجب ألا تفكر القوى العظمى بأزمة إيران الاقتصادية فحسب بل بمشكلتها الأمنية أيضاً.

يتعلق جانب مهم يغفل عنه الكثيرون في استراتيجية الضغط الأميركية بالانتشار البحري الهائل في الخليج وبيع أسلحة كثيرة إلى الدول الخليجية العربية. لم يعد ميزان القوة التقليدية يميل في الخليج لمصلحة إيران. بالنسبة إلى بلدٍ يدّعي تاريخياً أنه كان يؤدي دوراً مهماً في الدول المجاورة له، سيعزز هذا الموقع السلبي أهمية الأسلحة النووية. لطالما اعتبرت شريحة واسعة من الناخبين في الجمهورية الإسلامية أن الطريقة الوحيدة التي تسمح للنظام بالتصدي لميزان القوى القائم هي اكتساب السلاح الأقوى.

اليوم، يسعى المجتمع الدولي إلى نزع الأسلحة من بلد أصبح فيه الأمن من الناحية العملية معرضاً للخطر بشكل منهجي. لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من الخليج أو تتخلى عن حلفائها والتزاماتها بموجب المعاهدات القديمة، بل يجب أن تدرك واشنطن، كجزءٍ من دبلوماسيتها النووية، معضلات إيران الأمنية.

قد ترغب الولايات المتحدة في التفكير بالدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في هندسة أمنها المتطور في الخليج. في هذا المجال، قد تقرر واشنطن التدقيق بأفكار ساهمت في تهدئة مناطق أخرى كانت معرّضة للصراعات مثل أوروبا. يمكن أن يشمل الحوار الأمني في الخليج مسائل مثل حقوق الملاحة، وآلية لمعالجة النزاعات على الحدود، ونظام تحذيري لتدريبات الجيش، وحتى منع بعض فئات الأسلحة من المنطقة.

خلال العقد الذي تعرضت فيه طموحات إيران النووية للتدقيق الدولي، عُقدت أنجح المفاوضات من جانب وزراء الخارجية الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وقد قادت هذه الدول تلك الجهود بين عامي 2003 و2005. في تلك الفترة، علّقت إيران نشاطاتها النووية ووافقت على تدابير لتفتيش مواقعها وكانت تبدو مستعدة للتفاوض على اتفاق يرضي الطرفين. يعلق أحد الاقتراحات المبتكرة التي طرحتها الدول الأوروبية الثلاث باعترافها بعدم القدرة على الفصل بين المسألة النووية والسياق الأمني. لتسريع الجهود الدبلوماسية، لم تكتفِ تلك الدول بعقد المحادثات بشأن العقوبات الاقتصادية ومخالفات إيران النووية بل شملت الاجتماعات جميع المسائل الأمنية.

لا شك أن مسار الجهود الأوروبية استنزف قدراته مع مرور الوقت، ويبدو أن جهود الدول الأوروبية الثلاث أُحبطت نتيجة عجز الأوروبيين عن تقديم طريقة موثوقة تضمن خروج إيران من أزمتها ونشوء حكومة محافظة جديدة في طهران تثق بأنها تستطيع استئناف نشاطاتها النووية والحفاظ على قوتها الاقتصادية.

اليوم، أصبح الوضع مختلفاً بشكل جذري، فقد تضامن المجتمع الدولي بدرجة غير مسبوقة ولم تعد إيران معزولة فحسب بل إنها تواجه انتقادات وعقوبات دائمة حتى من جانب روسيا والصين. كذلك، لم يعد المحافظون في إيران واثقين بأنفسهم كما كانوا سابقاً. فقد دفعت سنوات التراجع الاقتصادي ببعض اليمينيين الإيرانيين على الأقل إلى التشكيك بفرضياتهم.

من خلال إعداد إطار دبلوماسي يغطي المسائل الاقتصادية والأمنية معاً، يمكن أن تفرض القوى العظمى تدابير أكثر فاعلية لكبح طموحات إيران النووية.

بما أن المقاربة الدبلوماسية التي طبقتها الدول الأوروبية الثلاث كانت المقاربة الوحيدة التي حققت منافع عملية حتى الآن، فمن المناسب أن تفكر المجموعة الراهنة من المفاوضين بتبنيها. يصعب على أي دولة أن تتخلى عن طموحاتها النووية إذا كانت بيئتها الأمنية هشة دوماً. قد يساهم تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل التنازلات النووية في عقد اتفاقيات متواضعة، لكن قد يتطلب الحل النهائي لهذه المسألة تجديد مفهوم المعيار الدبلوماسي القائم.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top