الفساد... المعركة المفتوحة!

نشر في 23-02-2013
آخر تحديث 23-02-2013 | 00:01
 سامي محمد العدواني من اللافت لأي متابع أو راصد أن المعيار الذي تقاس به الحساسية ضد الفساد بدأت مؤشراته تدق أجراس الإنذار وتلامس أسقفاً غير مسبوقة، وباتت أحاديث الهمس تعلو أصواتها وتصدم شريحة أوسع من المجتمع لفجاجتها أو قل لاستهتارها بالقيم والأعراف التي استقرت على مر الحياة التشريعية والسياسية بل والإدارية!

كلمات "الشرف" و"النزاهة" و"النظافة" هي على محك صعب اليوم في ظل حالة الاستقواء التي تبديها أطراف هنا وهناك بعدما حققت مكاسب في معارك حاسمة خلال الفترة السابقة من أدائنا السياسي بلغت حد كسر العظم.

ما أتمنى أن نستفيده من دروس المرحلة أن التكتيكات السابقة التي تعاملت بها شخصيات المعارضة السياسية أو كتلها وتياراتها ليست فاعلة بالقدر الذي يوقف النزف الهادر في هيبة ردع الإفساد، تحتاج النخب الإصلاحية إلى تبني مسارات جديدة تعيد ملاءة الردع حتى تساهم في الحد من لوثة الإفساد التي هي اليوم في أوج انتفاشها.

إن حالة الاكتفاء بأساليب "الصيحة" والإرعاب السياسي ساهمت مع الوقت في تفريغه سياسياً، ذلك أن الطفل الذي يرتعب من صراخ والده أو معلمه مع الوقت نراه يتكيف مع هذا النمط ويتجاوز بعد مدة هذه الحالة التعبيرية عن رفض الفعل الشائن أو الدعوة للإقلاع عن الممارسة السيئة.

في حالتنا الماثلة لم تستوعب السلطة- المتمثلة في الحكومة وأدوات التأثير في قرارها- منهجية "الإرعاب" السياسي لكنها بلغت- مع تكرار مرارة هذا الأسلوب الذي واجهته بأقذى صوره وناجزته بأنكى صيغه- مرحلة تجريد كل أسلحة المواجهة من إطارها الأخلاقي والقيمي بل والوطني!

فكانت النتيجة مواجهة ليس لها مخالب تمنع الإفساد ولا هيبة تردع المتغولين على النفوذ والمصالح التي هي "الرحى" التي يتطاحن عليها المتكسبون، متناسين أن السياسة ليست صراعاً يتآكل عليه الأطراف بقدر ماهي وسيلة للتلاقي والتشارك وضمانة للعيش الآمن والسلم الضامن لتعبير كل فرد في المجتمع عن عطاءاته وإبداعاته.

أعود فأقول إن من أهم أدوات التجديد في ساحتنا السياسية قوى المجتمع الضاغطة التي تحدث أحياناً أثراً يفوق مدى السياسيين، ذلك أن السياسي يخضع لقائمة من الاعتبارات تشوه موقفه أو تحرف مساره مرغماً أو راغباً لـ "حسبة" التوازنات التي تجرده غالباً من اتخاذ الموقف الذي يحظى بالقبول والرشد الكافيين.

وعليه فإن السعي لبث الحيوية اللازمة لإحياء المجتمع المدني هو الرهان السياسي الواجب بل هو الأداة الفاعلة في تحصين المجتمع من غوائل الإفساد وتراكم المفسدين، وإن العمل لإيجاد جبهة "غضة" تتفاعل بحيوية مع متطلبات الإصلاح وترشيد المسار السياسي لا تلبث أن توجد جيلاً حصيناً يتوارث المعايير الواجبة لمجتمع ينعم بالأمن ويطمئن لسلامة دفته.

نعم... لهجة "الإرعاب" مضى وقتها، وأعلنت المرحلة تطويعها وتجاوزها لكنها قابلة للاشتعال في أي لحظة، وبرغم هذا فهي محكومة بفترات عمرها القصيرة وتكلفتها العالية وعثراتها المتكررة واختراقاتها الأكيدة، إلا أن إحياء العمل المدني وتحريك القوى الضامرة بقليل من الجرعات سيعمد إلى إيجاد حائط صد عريض، ممتد بين أطياف المجتمع، قابل للحياة أطول فترة ممكنة وذي تأثير واسع وحضور غالب... إذا اعتبرنا أن فريستنا هي الفساد بكل صوره وأشكاله، فإن زئير الأسد لا يقتلها، لن نستفيد من وسع الدنيا إذا كنا نلبس حذاءً ضيقاً!

back to top