لماذا لن يتراجع «الإخوان المسلمون»؟

نشر في 15-07-2013
آخر تحديث 15-07-2013 | 00:01
من النظريات الأكثر احتمالاً عن إخفاق الجيش في قمع الانتفاضة في «ميدان التحرير» عام 2011 أن الجنود في الميدان كانوا سيرفضون التصدي للمدنيين، ما قد يؤدي إلى الفوضى.
 فوراين أفيرز عادت جماعة "الإخوان المسلمين" إلى حيث بدأت بعد سنة واحدة في الحكم تسبب خلالها سلوكها المستبدّ القاسي في تنفير ملايين المصريين. طوال ستة عقود قبل انتفاضة عام 2011، شكّلت هذه الجماعة جزءاً من المعارضة وتعرضت لنيران نظام عسكري. ولكن لا يبدو أن جماعة "الإخوان المسلمين" مستعدة للاستسلام هذه المرة، رغم أن القوى الأمنية أطاحت بالرئيس محمد مرسي، واعتقلت كبار قادة الإخوان المسلمين، وأصدرت، حسبما يُقال، مذكرات توقيف بحق 300 آخرين، وأقفلت محطة الجماعة التلفزيونية وبعض مكاتبها، وقتلت 53 من أنصارها، وجرحت المئات في تظاهرة خارج مقر الحرس الجمهوري في القاهرة. نتيجة لذلك، دعت هذه الجماعة إلى انتفاضة وتعهدت مراراً بتصعيد تظاهراتها حتى إعادة مرسي إلى منصبه.

يعود تصميم "الإخوان المسلمين" على مواصلة النضال في جزء منه إلى نظرتها إلى أحداث الأسبوع الماضي. تعتبر هذه الجماعة أن مرسي رئيساً منتخباً ما زال أمامه ثلاثة أعوام في الحكم؛ لذلك تصرّ على ضرورة أن ينهي ولايته ليواجه الناخبين في الانتخابات المقبلة، سواء كان رئيساً جيداً أو سيئاً.

لكن جماعة "الإخوان المسلمين" كانت تاريخياً مستعدة للتسوية بشأن مبادئ مماثلة، وإن مؤقتاً، عندما تواجه خصماً تعجز عن التغلب عليه. أخبرني عبدالجليل الشرنوبي، عضو سابق في جماعة "الإخوان المسلمين" عمل في مقرها المركزي بين عامَي 2005 و2011: "لطالما كان للإخوان المسلمين سقف لا نبلغه ونلعب دوماً تحته". على سبيل المثال، كان السقف قبل انتفاضة عام 2011 الرئيس حسني مبارك، فقد رسمت هذه الجماعة حدوداً داخلية للهجمات التي يستطيع أعضاؤها توجيهها ضد نظام مبارك. كان بإمكانهم انتقاد وزراء معيّنين، ولكن لم يُسمح لهم البتة بالتطاول على مبارك نفسه إلا في حالات استثنائية قليلة، ولكن بعد الإطاحة بمبارك، وفق الشرنوبي، صارت واشنطن السقف، بما أن "الإخوان المسلمين" يخشون من أن تؤدي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة تؤثر في مصالحها الأساسية إلى ردّ فعل مدمّر؛ لهذا السبب لم يلغِ "الإخوان المسلمون" معاهدة السلام الإسرائيلية-المصرية لعام 1979، رغم معارضتهم العنيدة لهذه المعاهدة مع إسرائيل ورفضهم هذه الدولة بحد ذاتها.

في ضوء هذه الخلفية، قد نتوقع من "الإخوان المسلمين" أن يعتبروا الجيش السقف اليوم، فالجيش المؤسسة الأقوى في مصر ويمكنه أن يتفوق على "الإخوان"، بالإضافة إلى ذلك، اعتبرت جماعة "الإخوان المسلمين" أحياناً خلال عهد مرسي أن المساس بالجيش محظور. فقد احترمت هذه الجماعة استقلالية الجيش، مبدّية إياها على مصالحها الاقتصادية والمسائل الدفاعية، حتى إنها رسخت هذه الاستقلالية في الدستور الذي سارع مرسي إلى التصديق عليه في شهر ديسمبر. لكن اللافت للنظر أن "الإخوان المسلمين" يبدون اليوم مستعدين لمواجهة الجيش لسببين، رغم أن فرص نجاحهم في ذلك محدودة.

أولاً، تشك جماعة "الإخوان المسلمين" في أن الجيش موحّد في قراره مواصلة القمع، بل ترى احتمال تفكك صفوفه في حال تابع الجنرالات تصعيدهم. صحيح أننا لا نعلم من وجهات نظر ضباط الجيش المصري إلا ما يعبّر عنه كبار قادته، غير أن الأحداث التاريخية الأخيرة تُظهر أن مناورة "الإخوان المسلمين" قد تنجح. فمن النظريات الأكثر احتمالاً عن إخفاق الجيش في قمع الانتفاضة في "ميدان التحرير" عام 2011 أن الجنود في الميدان كانوا سيرفضون التصدي للمدنيين، ما قد يؤدي إلى الفوضى. من المستحيل أن نعرف ما إذا كان الجيش يضم الكثير من المتعاطفين مع "الإخوان المسلمين"، إلا أن قادة الجيش المصري يواجهون دوماً احتمال رفض الجنود، الذين يدخلون الجيش لتأدية الخدمة العسكرية الإجبارية، إطلاق النار على أشقائهم في الوطن. يعتقد "الإخوان المسلمون" أيضاً أنهم يملكون حلفاء داخل الجيش سيحولون دون تعرض الجماعة لهجوم شرس. أخبرني جهاد الحداد، متحدث باسم الجماعة، قبل أيام: "يحاول الجيش التحدث إلينا، لا على مستويات متدنية فحسب، بل على أعلى المستويات أيضاً. أخبرنا المسؤولون العسكريون أن مرسي بصحة جيدة، واتصلوا بي ليعلموني أن والدي [مستشار مرسي المعتقل عصام الحداد] يحتاج إلى دواء. يطلعون على كل التطورات".

تحاول جماعة "الإخوان المسلمين" استغلال أي توتر داخل صفوف الجيش بالتمييز علانية بين الجنرالات الذين نفذوا عزل مرسي (أو "الانقلابيين"، كما يدعوهم عصام العريان، أحد قادة الجماعة) وبين المؤسسة العسكرية ككل. على سبيل المثال، نسبت جماعة "الإخوان المسلمين" في تصريح أدلت به قبل أيام الانقلاب إلى "بعض أعضاء المجلس العسكري"، لكنها شددت: "لنا كامل الثقة بجيشنا العظيم الذي يفدينا ونفديه، الذي يحبنا ونحبه، والذي لم يشارك في هذه المؤامرة". وعقب أعمال العنف المميتة يوم الاثنين الماضي خارج مقر الحرس الجمهوري، أصدر الموقع الإلكتروني لجماعة "الإخوان المسلمين" تقارير لافتة للنظر عن الجنود "الذين رفضوا... طاعة أوامر قادتهم والمشاركة في هذه المجزرة"، مدعياً أن الجنود "رموا بنادقهم أرضاً" احتجاجاً.

ثانياً، تدرك جماعة "الإخوان المسلمين" أنها تستطيع الاعتماد على أعدادها الكبيرة (نحو 250 ألفاً، على أقل تقدير) التي تبدو مستعدة لمواجهة الموت، مواصلةً الاحتجاج على عزل مرسي. تدعو عقيدة جماعة "الإخوان المسلمين" إلى الاستشهاد في سبيل أجندتها الإسلامية، أما شعارها الذي ينطبع في أذهان كل أعضاء هذه المنظمة بعد عملية تدريب تستغرق من خمس إلى ثماني سنوات، فيشمل عبارات تدّعي أن "الجهاد طريقنا" وأن "الموت في سبيل الله أسمى غاياتنا". وتعتبر الجماعة هذا مفخرة.

 يذكر الحداد: "يختلف هؤلاء عن المتظاهرين في ميدان التحرير. عندما سمع الناس في ميدان رابعة العدوية (حيث يتظاهر أنصار جماعة الإخوان المسلمين) إطلاق النار، ركضوا نحوه، لا فروا هاربين". نتيجة لذلك، يعتقد قادة هذه الجماعة أنهم يستطيعون دوماً اللجوء إلى أنصارهم طالما أن ذلك ضروري.

لكن إصرار جماعة "الإخوان المسلمين" على مواصلة النضال من أجل إعادة مرسي إلى منصبه لا تعني بالضرورة أنها ستفوز، فكلما حاولت هذه المجموعة مقاومة التدخل العسكري، ازداد احتمال تقويضها من أساسها. يشمل كبار شخصيات جماعة "الإخوان المسلمين" الذين اعتقلوا أهم استراتيجييها خيرت الشاطر ومسؤولها السياسي الأبرز سعد الكتاتني. وتشير المذكرات الصادرة بحق آخرين أن حملة اعتقال واسعة تلوح في الأفق، ونظراً إلى تشدد هذه الجماعة واعتمادها على نظام هرميّ دقيق، قد يؤدي تقويض أسسها إلى تصرفها على الأرجح بشكل عشوائي أو ربما عنيف، ما يتيح للجيش قمعها بطريقة مشروعة. وتشمل عملية التقويض هذه اعتقال كبار قادة الجماعة القادرين على عكس استراتيجية الجماعة الراهنة وتحديد مرة أخرى أن الجيش هو السقف.

لكن الأهم أن الجيش، سواء عانى التفكك في صفوفه أم لا، سيرفض بعناد أكبر من جماعة "الإخوان المسلمين" تعديل مساره، لأن الجنرالات يعتبرون إعادة رئيس قد عزلوه لتوهم إلى منصبه انتحاراً. نتيجة لذلك، لا مفر من استمرار العصيان المدني، فللجيش وجماعة "الإخوان المسلمين" مصالح خاصة يبدوان مستعدَين للنضال من أجلها إلى ما لا نهاية، ولن ينتهي هذا الصراع إلا عندما ينهار أحدهما، هذا إن لم تنهَر مصر أولاً.

إريك تراجر Eric Trager

back to top