الخدمات الصحية والتكلفة المالية!

نشر في 19-01-2013
آخر تحديث 19-01-2013 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح كانت الديوانية عامرة بروادها من أساتذة الجامعة والمهندسين والأطباء والأدباء والإعلاميين والسياسيين من مختلف أطياف المجتمع، وقد وجدتها فرصة مناسبة لسؤال الحاضرين عن رأيهم بمستوى الخدمات الصحية في دولة الكويت، وكل الردود كانت سلبية وأهمها الازدحام في المستشفيات والمستوصفات وطول مدة الانتظار قبل الدخول على الطبيب أو إجراء بعض فحوصات الأشعة وعدم توافر بعض الأدوية ورداءة المنشآت الصحية من حيث التصميم والتجهيز والصيانة وندرة الغرف الخاصة وتواضع المستوى الفني للأطباء والهيئة التمريضية والفئات الفنية المساعدة.

ما لفت انتباهي أنه لم تكن هناك أي إشادة أو مديح للخدمات الصحية التي توفرها الدولة بالإضافة إلى التجاهل التام للتكلفة المالية لتلك الخدمات الصحية المقدمة، وكأن موارد الدولة غير محدودة والميزانية العامة لا متناهية؛ إنه بحق أمر مستغرب جدا أن يكون الحوار عن الخدمات الصحية وسبل تطويرها في ظل تجاهل كامل لتكلفتها.

عرف صامويلسون الاقتصاد في كتابه «الاقتصاد» الذي صدر في عام 1976 كالتالي: «الاقتصاد هو دراسة كيف يختار البشر والمجتمعات، باستخدام النقود أو بدونها، استغلال ندرة الموارد ذات الاستخدامات المتعددة لإنتاج سلع مختلفة وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين الأفراد والجماعات في المجتمع. الاقتصاد يحلل تكاليف وفوائد أنماط توزيع الموارد».

يتفق خبراء الاقتصاد على أنه في البداية وفي الوسط وفي النهاية هناك «ندرة الموارد»، هذا أساس الاقتصاد لكنه مع الأسف ليس أساس الطب، فتكلفة الرعاية الطبية في ازدياد مستمر في كل دول العالم، وأحد الأسباب الرئيسة لهذا الازدياد هو «شيخوخة السكان» ولكن السبب الأهم هو التطور السريع في «التكنولوجيا الطبية»، والخبرة التراكمية للحكومات في دول العالم المتقدمة تفيد بأنه لا يمكن للدولة أن توفر رعاية صحية شاملة ومجانية لمواطنيها.

برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي الرابع عشر الذي قدم لمجلس الأمة بتاريخ 20 مارس 2012 يذكر في الباب التاسع المتعلق بتحسين مستوى الخدمات الصحية الآتي: «تولي الحكومة اهتماما خاصا بتحسين مستوى الخدمات الصحية على أسس اقتصادية، وتشجيع القطاع الخاص على العمل في المجال الصحي». ولكن في القانون رقم 9 لسنة 2010 بإصدار الخطة الإنمائية هناك في الجدول رقم (10) بعض مؤشرات التنمية البشرية والمجتمعية المبالغ فيها وغير المنطقية مثل زيادة معدل أطباء الأسنان إلى طبيب أسنان لكل ألف مواطن وزيادة معدل خدمة التمريض إلى 4 ممرضات لكل طبيب في عام 2014. قد يحلو للبعض أن يحلم بخدمات صحية شاملة وعالية الجودة ولكنها تكون غير مكلفة، وقد يتنافس البعض الآخر بدغدغة مشاعر الناس بتوفير طبيب وأربع ممرضات لكل مريض ومستشفى عام وتخصصي في كل منطقة سكنية، ولكني أختم هذا المقال ببعض الأرقام المعبرة جدا من المملكة المتحدة.

نشرت المجلة العلمية «طب مرض السكري» في عددها الأخير بأن هناك 3.8 ملايين مريض مصاب بمرض السكري في المملكة المتحدة وأن التكلفة السنوية لعلاج هؤلاء بلغت 9.8 بلايين جنيه إسترليني، ويتوقع الخبراء أن ترتفع هذه التكلفة المالية في عام 2035 إلى 16.8 بليون جنيه إسترليني أي ما يعادل 17% من ميزانية الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة.

back to top