الأزمة المالية العالمية... عمداً مع سبق الإصرار والترصد (2-2)

نشر في 07-08-2011
آخر تحديث 07-08-2011 | 22:01
No Image Caption
 نايف بندر اللافي كشفت دراسة سمحت وزارة الدفاع الأميركية بنشرها أخيرا، أن سقوط "ليمان" تم بفعل فاعل وبحسابات فتحت في بورصتي لندن ودبي، ودار من خلالها وعلى مدى أسابيع عمليات بيع محمومة بما يشكل هجوماً حقيقياً على سهم البنك، وكان وراءها شبكة معقدة من الشركات والحسابات الوهمية في مناطق محمية من الضرائب.

تناولت في الجزء الأول من المقال قضية انهيار الاقتصاد الأميركي وأزماته الأخيرة، ولاسيما التي أعقبت انهيار بنك "ليمان براذرز" وسلسلة التداعيات التي شهدها العالم، واستوقفتنا تساؤلات بشأن التعرف على من المسؤول عن ذلك كله؟ وكيف تم اتخاذ القرار بعدم إنقاذ بنك "ليمان براذرز"؟ وكيف لم يتم تقدير الأضرار المترتبة على هذا القرار؟ أم أن الأضرار كانت مقصودة؟ وتوقفنا عند ثلاث ملاحظات الأولى، تتعلق بما ورد في الفيلم الوثائقي لمحطة "بي بي سي" بعنوان "حب المال" الذي كشف فيه رئيس بنك "باركليز" وجود أسباب غامضة وضغوط من إدارة بوش الابن، أدت إلى رفض صفقة استحواذ مصرفه على بنك "ليمان براذرز" واستبعادها. ونستعرض الآن بقية الملاحظات الثلاث:

الملاحظة الثانية، هي الخبر الذي نقله الموظف البنكي الكبير الفرنسي الجنسية الذي اختار أن يبقي شخصيته طي الكتمان في كتابه الذي أصدره بالفرنسية العام الماضي، ونشرته مترجماً صحيفة "القبس" تحت عنوان "مذكرات مصرفي فاسد"، حيث ذكر الكاتب أن وزير الخزانة الأميركي كان يعلم ويحضر لسقوط بنك "ليمان" وإفلاسه قبل موعد إعلان الإفلاس بحوالي ستة أسابيع. ربما كانت الطريقة التي علم بها الكاتب لا تضيف إلى جدية نقاشنا هذا، كما سيعلم كل من يقرأ الكتاب، ولكن كما أسلفنا فإن هذه الملاحظات في مجموعها تقوي بعضها بعضا وتعطي لمحة لعالم آخر غير ما نراه في الإعلام اليومي.

الملاحظة الثالثة، وهي الأهم والأوثق، هي الدراسة التي سمحت بنشرها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والمعدّة لحسابها من قبل أحد الخبراء الخارجيين، والتي تتناول بالتحليل إمكانات الحرب الاقتصادية فى القرن الحادي والعشرين.

يؤكد الكاتب في هذه الدراسة أن سقوط "ليمان" تم بفعل فاعل وبحسابات فتحت في بورصتي لندن ودبي، ودار من خلالها وعلى مدى أسابيع عمليات بيع محمومة بما يشكل هجوماً حقيقياً على سهم البنك كما يرصد ذلك خبراء آخرون لاحظوا ما يحدث وتحدثوا عنه في نشراتهم. ويؤكد الكاتب استحالة معرفة من وراء هذه الحسابات أو إمكان تتبع أين ذهبت الأموال والأرباح المحولة، إذ لا شك أن وراءها شبكة معقدة من الشركات والحسابات الوهمية في مناطق محمية من الضرائب.

لا أعرف السبب الذي جعل الكاتب يؤكد استحالة معرفة من وراء هذا الهجوم الاقتصادي على أميركا، والذي أدى إلى انهيار اقتصاد أعتى دولة في العالم، ولا شك أنها محاولة من الكاتب وربما بطلب من وزارة الدفاع لعدم اتهام أطراف أخرى في الحكومة الأميركية بالتقصير أو ربما بالتخاذل. لكن ليسمح لنا الكاتب أن نؤكد أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية بالذات قادرة تماماً على معرفة من وراء هذه الحسابات، وربما تكمن المشكلة الحقيقية في أنها تعلم.

الدراسة التي نشرت في منتصف عام 2009 أي في خضم الأزمة، كتبت بلغة حذرة جداً فما بين السطور أهم مما كتب فوقها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا أرادت وزارة الدفاع من وراء نشر هذه الدراسة؟ لا يخرج الهدف في نظري عن احتمالين: الأول أن جنرالات وزارة الدفاع، وهم يخوضون حربين خاسرتين ويفقدون أبناءهم كل يوم والكثير من كبريائهم، ساءهم الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يحد بشكل كبير من قدرات أميركا العسكرية فأرادوا من خلال إعلان هذه الدراسة إحراج الأجهزة الأخرى في الحكومة الفدرالية المسؤولة مباشرة عن الأزمة، وأن يوجهوا رسالة إلى المسؤولين الكبار في الدولة أن ما يحدث مغامرة تعرض أمن أميركا القومي للخطر، أو ربما هو تحذير من وزارة الدفاع للأجهزة الأخرى من أنها لن تقبل بالتمادي أكثر من ذلك؛ لأن الأمن القومي الأميركي يتعرض للخطر وأنه إذا ما تمادت الأجهزة الأخرى، فإن وزارة الدفاع ستقوم بنشر المعلومات كاملة أمام الشعب الأميركي. الاحتمال الثاني، أن هذه الدراسة تندرج في إطار ما يسمى بعمليات الحرب النفسية، وهي عمليات مستمرة وتمارس في كل دول العالم. والمقصود هنا أن وزارة الدفاع الأميركية استغلت الأزمة المالية وعن طريق دراسة أعدها مستشار خارجي بأن توحي إلى الشعب الأميركي أن الأخطار الخارجية تتهدد أميركا، وأن هناك حرباً اقتصادية تشنها جهات غير معلومة، ربما الصين وربما "القاعدة" لإنهاك أميركا اقتصادياً، وأن على الشعب الأميركي مساندة المؤسسة العسكرية كي تستمر في دورها في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.

لا أرجح الاحتمال الأخير لأن الادعاء باستحالة معرفة أصحاب الحسابات في بورصتي لندن ودبي هو ادعاء سخيف لا ينطلي على أحد، ولا يرمي إلا لحفظ ماء وجه وزارة الدفاع أمام الأجهزة الأمنية الأخرى التي يقع على عاتقها معرفة من وراء الهجمات الاقتصادية على أميركا.

بل إن تجاهل وسائل الإعلام الأميركية لهذه الدراسة وعدم شنها لحملة إعلامية للمطالبة بكشف الحقيقة هو إقرار في حد ذاته بالخطوط الحمراء التي تحيط بالموضوع. ولو كانت المسألة عملية من عمليات الحرب النفسية لخاض فيها الخائضون ما بين منتقد ومؤيد ومنظر، فإذا ما أضفنا إلى ذلك الملاحظتين الخاصتين بالبرنامج الوثائقي لـ"بي بي سي" والكتاب الذي يؤكد معرفة وزير الخزانة الأميركية السابق بحتمية إفلاس بنك "ليمان براذرز" (قرار عدم إنقاذه) تصبح الأمور أكثر وضوحا.

يؤكد ذلك أيضا تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي قبل أيام، حيث قال إن أكبر خطر يهدد الأمن القومي الأميركي هو خطر الدين العام، ذلك الخطر الاقتصادي الذي تفاقم بسبب الانهيار الاقتصادي الأميركي وانخفاض كل من عائدات الضرائب الأميركية والتدفقات الاستثمارية إلى أميركا.

تنتهي دراسة وزارة الدفاع بالتوصية بأن تتم الدراسات القادمة عن تفاصيل الأزمة العالمية بعيدا عن "واشنطن" (أي الحكومة الفدرالية) وعن "وول ستريت" (أي الشارع الذي يحوي البنك الاحتياطي الفدرالي وأكبر بنوك أميركا) لأن الاحتمال كبير بتورطهم أو مشاركتهم في الأزمة!

سأحاول التطرق إلى تفاصيل دراسة وزارة الدفاع في مقالات قادمة، ولكن هل نستطيع القول من الملاحظات السابقة أن الازمة المالية تمت عمداً ومع سبق الإصرار والترصد؟... وإذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا تم اتخاذ مثل هذا القرار؟ ومن وراءه؟ وإلام يهدف؟ وهل يريد حقا الإضرار بالولايات المتحدة، أم أن هناك فائدة مستقبلية ستكشفها الأيام القادمة؟ إذن ما سر غضب المؤسسة العسكرية؟

Naifallafi.blogspot.com

back to top