دهشة السؤال وحيرة الإجابة

نشر في 28-08-2011
آخر تحديث 28-08-2011 | 22:01
No Image Caption
 طالب المولي أسئلتنا يقف عليها وخلفها وأمامها كهنة متمرسون في قتل تلك التساؤلات، والتي تشكل لهم قلقا في فقدان تلك السلطة المعرفية التي منحوها لأنفسهم واحتكروها قسرا وترهيبا، إمعانا في تجهيلنا بدواعي المحافظة على ثوابت ديننا وسلامة مجتمعنا من الانحراف.

      كانت أوروبا تسابق الزمن ضمن الإطار الطبيعي للتطور البشري لتحسين واقعها، ولرفع الظلم والألم عن مجتمعاتها في ظل الدكتاتوريات المتعاقبة عليها، والشريك القديم والأزلي من رجال الكنيسة في العصور الوسطى في عملية طمس ووأد أي معرفة جديدة خارج نطاق المعرفة الكنسية والمحتكرة لها، والتي تؤدي غالبا في تطورها المتزايد إلى الخوض والتساؤل وخرق التابوهات والمحرمات من الأسئلة، التي كان لها أن تكون اللبنة الأولى والمهمة في سحب بساط السلطة والاستقلال من تحت السلطتين الدينية والسياسية.

فمنذ البدء كانت التساؤلات وعملية البحث هما من عمليات العقل البشري المحض، والمتأصلة بشكل أكثر منذ الطفولة، فالأطفال هم الأكثر تساؤلا وإلحاحا عن ماهية الأشياء التي يرونها، وعن أي موقف مثير، وأي حادثة غريبة، وذلك لطبيعة الطفل الذي تثيره المواقف والدهشة والحيرة، والتي تولد لديه أسئلة مثيرة ليصل بإجاباتها إلى حالة من الارتياح النفسي والعقلي معا.

والأسئلة المتعاقبة لديه... من أين أتينا؟ وكيف خرجت من بطن أمي؟ وأين كنت قبل الحياة؟ وغيرها ستشكل حياة وعقل هذا الكائن تبعا للإجابات التي ربما تثير لديه الارتياح أو المزيد من الاستغراب لسذاجتها وسطحيتها.

في السؤال كان البدء وفي الإجابة كانت المسيرة... فغالبا ما تكبر تلك الأسئلة مع تنامي عقل هذا الموجود مما يخلق حالة من الفزع والدهشة والحيرة لنوعية تلك التساؤلات لدى الوالدين، فتبدأ مرحلة أخرى من الجهالة الأسرية في كبح وقتل تلك التساؤلات الوجودية بالتابوهات الكثيرة أو الإجابات المغلفة والمعلبة والمتكررة، والتي غالبا ما تكون ساذجة بسذاجة تبريراتها.

ولكن تبقى الإجابات كامنة في الثورة التكنولوجية الميسرة والتي أصبحت ملاذا سهلا لأصحاب القلق المعرفي، والباحثين عن الحقيقة فتبدأ معها رحلة العناء، عناء البحث والتقصي التي لا تنتهي إلا بانتهاء حياتنا الطويلة أو القصيرة، ونحن نحمل في دواخلنا أسئلة لم نجد لها حلا أو سؤالا متخفيا خلف أسوار الخوف وثنائية الحلال والحرام والخطأ والصواب.

أسئلتنا يقف عليها وخلفها وأمامها كهنة متمرسون في قتل تلك التساؤلات، والتي تشكل لهم قلقا في فقدان تلك السلطة المعرفية التي منحوها لأنفسهم واحتكروها قسرا وترهيبا، إمعانا في تجهيلنا بدواعي المحافظة على ثوابت ديننا وسلامة مجتمعنا من الانحراف، ورصد منهجي لكل ما يكتب أو ما يقال، فيختفي الكثيرون خوفا من بطش محاكم التفتيش الجديدة في القرن الحادي والعشرين!!

"دهشة السؤال والحيرة في البحث عن جواب" كان عنوانا لمقالي وبتصرف، وعنوانا جميلا لمقالة كتبها الدكتور محمد الرميحي في توصيف وتحليل جميل ورائع لرواية "عالم صوفي" لجوستين غاردنر، تلك الرحلة الجميلة في تاريخ الفلسفة وعالم الأسئلة التي وجدتُ من خلالها عوالم كانت غائبة، وتساؤلات مضطهدة كتب لها أن تتحرر من قيودها الماضوية والدينية، فبدأت معها رحلة لم تتوقف إلى يومنا هذا، تنقلت معها من ساحل إلى آخر متجردا من كل شيء سوى العقل.

back to top