نسف دستوري

نشر في 19-11-2011
آخر تحديث 19-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 حسن عبدالله الخرس يتعرض دستورنا الجميل إلى نسف وتنقيح من قبل بعض أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، محاولين هدم ما جاء فيه من مواد صلبة تصد نواياهم الفاسدة لتعطيل مسيرة الدولة.

فأستغرب حين يأتي نائب ويطالب بتبعية الكويت لدولة أخرى، متناسياً ما تعنيه المادة الأولى بأن الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها... وأن تأتي الحكومة بقانون للوحدة الوطنية بينما الدستور نفسه كرس في مواده سبل الحفاظ على الوحدة الوطنية التي لا تحتاج إلى قانون يتضمن كبتا لحرية التعبير عن الرأي الذي كفلته المادة (36)، وأن يأتي بعض نوابنا للرد على الحكومة مستخدمين حقا دستوريا، فيقدمون استجواباً لرئيس الحكومة يفتت الوحدة الوطنية ويعزز الطائفية التي أرهقت الكويت.

وبشكل موازٍ، شن "قانون التجمعات" هجمة على المادة (44)، رغم أنه من الطبيعي أن للأفراد حقا في الاجتماع دون الحاجة إلى إذن، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن الحضور إذا كانت التجمعات سلمية وغير منافية للآداب. وقد كانت رغبة الشباب في التجمع جميلة، لكن شوهها دخول النواب واحتلالهم الصفوف الأولى والتحدث برغباتهم التي عجزوا أن يطبقوها داخل قاعة "عبدالله السالم"، وتسلق عدد من الأشخاص الراغبين في الكرسي من خلال كسب تعاطف الشباب، متناسين مواقفهم السابقة من فساد وتخريب.

لنلتفت قليلاً إلى من أدخلناهم من نواب إلى قاعة "عبدالله السالم" لنرى أن هناك أغلبية استطاعت الحكومة شراءها مقابل وقوفها المستميت في صفها.

من خلال استجوابات الرئيس الأخيرة شاهدنا تكتيكات خلط الأوراق وتحويل الاستجوابات إلى التشريعية والدستورية، وعند الوصول إلى التصويت على عدم التعاون نشاهد حائط صد رقم (25) مهما كانت محاور المستجوبين وردود سموه، بعدها تنكشف فواتير مواقف النواب من مناصب وشيكات وتنفيع.

بينما نشاهد حائط الـ(25) ينهار عند التصويت على قوانين التكسب الانتخابي من كوادر وزيادات مالية، فسموه لا يجد حوله مَن يصوت معه غير وزرائه وأصواتا ممتنعة لا تسمن ولا تغني من جوع.

وكان ختام محاولات نسف الدستور الضرب بالمادة (100) عرض الحائط حين رفع استجواب من الجلسة، وهو حق مطلق للنائب، وبذلك ينتزع منه حق المساءلة والرقابة على الحكومة.

حكومتنا الموقرة لا تملك أي خطة واضحة أمامنا اليوم سوى بيع النفط وسداد الرواتب، فعندما قدم استجواب وزير التنمية لم يستطع اعتلاء المنصة لأنه لا يملك أي فكرة عن خطة التنمية أصلاً، وانكشفت الأوضاع حينما شعر رئيس الحكومة بخطر الوزير عليه وليس على الكويت، لذا سارع بتطبيق خطة حائط الـ(25) ضده ليجبره على الاستقالة.

ولنتجه إلى المادة (40) التي تجبر الحكومة والأفراد على التعليم الإجباري وبالمجان للكويتيين مع التنمية البدنية والفكرية، وبرغم ذلك يلجأ البعض إلى شراء الشهادات من دول أخرى، بينما يدفع رب الأسرة دم قلبه في التعليم الخاص بسبب سوء مستوى التعليم الحكومي، وحين يتفوق المواطن في دراسته يلقب بجنسيات عربية بسخرية! فهنيئاً لتلك الدول التي ارتبط اسمها بصفة الذكاء والتفوق.

وبصفة عامة دستورنا لم يحدد أي مذهب أو أصل أو طائفة دون أخرى لتولي المناصب إلا في تحديد مسند الإمارة في المادة الرابعة، واليوم نشاهد وزارات سيادية لا يقترب منها أي أحد بل هي محصورة في أشخاص معينين.

في النهاية، أتصور أن دستور 62 لم تتحمله الحكومات، وأتعب مَن بعده بمواده الحازمة، فتوالت التجاوزات ومحاولات التعدي عليه، لتتراكم نتائجها حتى توقف البلد، بل بدأ يتراجع يوماً بعد يوم... ولا عزاء لهيبة القانون.

back to top