ايران: شبح في الحديقة!

نشر في 10-04-2011
آخر تحديث 10-04-2011 | 00:01
 خلف الحربي ما معنى أن تقرأ مقالا يصف الإيرانيين بالفرس؟! وهل ادعى الإيرانيون مثلا أنهم ينتسبون إلى سلالة عدنانية أو قحطانية؟ وهل تراهم يعتبرون الانتماء إلى العرق الفارسي سبة أم أن ذلك يعتبر مبعث فخر لهم؟! وهل لدينا أي مشكلة مع الشعب الفارسي الذي كان شريكا أساسيا معنا في بناء الحضارة الإسلامية أم أن مشكلتنا الحقيقية مع نظام الملالي في طهران ومع المخططات الخبيثة التي ينفذها جهاز الحرس الثوري الذي قمع إرادة الأمة الفارسية خلال المظاهرات التي تلت الانتخابات الرئاسية؟! وما هو أهم من كل ذلك: هل يقرأ الإيرانيون أصلا مثل هذه المقالات أم أننا نوجهها إلى أنفسنا كي نفرغ شحنات الغضب التي تعترينا بسبب سياسات إيران العدوانية؟!

باختصار إيران موجودة بقوة في أغلب خانات رقعة الشطرنج العربية: في لبنان والعراق وفلسطين واليمن وأغلب دول مجلس التعاون الخليجي، ولن تكون مفاجأة كبيرة لو اكتشفنا أنها تبحث اليوم عن موطئ قدم في ليبيا, وباختصار أكبر إيران لا يشغلها كثيرا أن تجد مجموعات تنتمي إلى الطائفة الشيعية في البلدان العربية التي تتغلغل فيها، فقد تحالفت مع حركة «حماس» السنية في فلسطين وحركة الحوثيين الزيدية في اليمن، بل إن لديها اتصالات وثيقة مع تنظيم «القاعدة» الإرهابي السني الذي لا يتردد في قتل الشيعة وتفجير المزارات الشيعية متى ما وجد الفرصة سانحة لذلك, وباختصار أكبر وأكبر تبدو الأطروحات الصحفية التي تتحدث عن اللؤم الفارسي، أو تحلل خفايا المذهب الشيعي، أو تستعرض تاريخ الدولة الصفوية مجرد إضاعة للوقت.

إيران تهاجمنا من الداخل، بل تتغلغل إلى داخل الداخل- وهي تفعل ذلك منذ سنوات بعيدة- بينما نحن لا نجد خيارا سوى شتمها والارتداد اللاشعوري باتجاه الأطروحات المتعصبة والعنصرية, وبما أن المهاجم يفرض على المدافع دائما مساحة الحركة التي يدافع فيها عن نفسه فإنه من المؤلم جدا القول إن هذه اللغة الدفاعية العاطفية المتعصبة تخدم مخططات إيران، و»تفككنا» من حيث لا نشعر.

لا أعرف متى سوف نسقي إيران من ذات الكأس، فنهاجمها من الداخل كي تتوقف عن العبث بديارنا؟ ولكنني أعرف مثلما تعرفون أن إيران ليست دولة مثالية من الداخل، بل هي كيان سياسي يعيش وسط صراعات قومية ومذهبية وسياسية لا حصر لها، ونقل المواجهة إلى داخلها أفضل من بقاء المواجهة في داخلنا, كما أنني أعرف مثلما تعرفون أن الإعلام الإيراني– الناطق بالعربية– يتجه مباشرة إلى الواقع العربي اليوم بينما إعلامنا– الذي لا ينطق بغير العربية- يتجه إلى صورة إيران في كتب التراث!

أفيقوا بني قومي... «أقيموا صدور مطيكم»... إيران لديها أحزاب في الداخل العربي، وشبكات تجسسية، وقنوات تلفزيونية، وصحف، ومخازن أسلحة، ومعسكرات تدريب، وشركات غير واضحة المعالم، ونحن نبيع الكلام الكبير على بعضنا بعضا، ونستعيد ما فعله أجدادنا بالفرس في معركة نهاوند! إيران لديها مفاعل نووي وهي دولة تصنع الغواصات وتطور الصواريخ بعيدة المدى كي تهشم بها رؤوسنا إذا ما دعتها الحاجة إلى ذلك، ونحن نقلب كتب التراث بحثا عن الطباع الخبيثة للمجوس!

لقد تحولت إيران بفضل حروبنا الكلامية إلى شبح يرانا ولا نراه, نعرف أنه يتجول في الحديقة ولكننا لا نستطيع تحديد مكانه, ومواجهة الأشباح تبدو أمراً عبثيا لا معنى له, صحيح... نحن لم نسع في يوم من الأيام إلى مواجهة النظام الإيراني، ولكنه دائما ما يفرض علينا هذه المواجهة انطلاقا من أطماعه التوسعية المكشوفة، لذلك علينا أن نتعامل بجدية أكبر مع هذه المواجهة الكبيرة، فالشتائم لن تجدي نفعا.

* كاتب سعودي

back to top