شتان بين ايران وتركيا


نشر في 13-04-2010
آخر تحديث 13-04-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله اقترح عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال انعقاد القمة العربية في مدينة «سرت» الليبية أخيراً، تأسيس «رابطة لدول الجوار العربي»، ومن بين دول الجوار الجغرافي العديدة البالغ عددها 11 دولة آسيوية وإفريقية، تعتبر تركيا وإيران الأقرب والأكبر حجماً والأكثر تأثيراً في الشأن العربي.

لكن شتان بين جيرة تركيا الهادئة والمرحب بها كل الترحيب في جميع العواصم العربية، وجيرة إيران المتوترة والمزعجة كل الإزعاج والتي لا تحترم حسن الجوار، وبلغ تدخلها في الشأن العربي درجات قصوى لم يعد بالإمكان تحمله.

تركيا الديمقراطية التي يقودها رجب طيب أردوغان، المعتدل فكراً وسلوكاً، هي النموذج المشرق لدول الجوار الجغرافي حالياً، فهي عامل من عوامل الاستقرار في المنطقة وترغب في فتح صفحة جديدة في علاقتها مع الدول العربية، وقد وظفت دبلوماسيتها النشطة لإطفاء الحرائق العربية، ودعم القضية الفلسطينية، والتصدي بحزم للغطرسة الصهيونية ممثلة في حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة.

أما إيران الثورة التي يرأسها محمود أحمدي نجاد المثير للجدل في حلّه وترحاله، فهي النموذج المشاكس والمتوتر الذي لا يمكن الاطمئنان إلى جيرته الصعبة. فإيران لا تحترم مبدأ حسن الجوار وتستهل إطلاق التصريحات الاستفزازية وتساهم في تأجيج التخندق المذهبي، وتسمح لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية كالعراق ولبنان وفلسطين واليمن. لقد استغلت إيران، وعلى العكس من تركيا، ضعف النظام الإقليمي العربي بخبث ما بعده خبث، وانتهازية ما بعدها انتهازية من أجل التمدد في الشأن العربي وتحويل المنطقة العربية إلى ساحة لاستعراض نفوذها، وبسط سيطرتها، وتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة.

فشتان بين تركيا الرصيد وإيران التهديد الاستراتيجي للأمة العربية، كذلك بين سياسة الانفتاح الإيجابي الذي تتبعه أنقرة في تعاملها مع العالم الخارجي، وسياسة المواجهة والعنجهية التي تنتهجها طهران تجاه المجتمع الدولي، فتركيا هي عضو قديم ومؤسس في حلف «الناتو»، أكبر وأقوى حلف عسكري وسياسي في التاريخ، وهي عضو مؤسس في مجموعة العشرين التي تضم أكبر الاقتصادات وأسرعها نمواً، والتي تدير النظام الاقتصادي العالمي. وتسعى تركيا حاليا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل اقتصادي وتجاري في العالم، فتركيا مرتاحة كل الارتياح في تعاملها مع العالم الخارجي وتتحدث مع الغرب الحضاري والسياسي بمنطق الاحترام والمصالح المتبادلة في الوقت الذي تؤكد أنها جزء أصيل من الشرق الحضاري والعالم الإسلامي والمحيط العربي.

الغرب كما الشرق يكن الاحترام للنهج التصالحي التركي، لكن لا الشرق ولا الغرب يطيق التعامل مع إيران التي تزداد تقوقعاً يوماً بعد يوم. لقد خسرت إيران الدعم الروسي أخيراً كما خسرت قبل ذلك تفهم دول الاتحاد الأوروبي، وهي في الطريق لتخسر تأييد الهند إضافة إلى الصين التي بدأت تقتنع بفرض عقوبات اقتصادية دولية جديدة على إيران بسبب عنادها الأسطوري، وإصرارها على السير في برنامجها النووي الغامض كل الغموض والمثير للجدل. من الصعب لإيران الدولة الثيوقراطية التصالح مع العالم، والتعايش مع دول الجوار بسبب وهم ضخم مسيطر على عقول زعماء إيران «بوجود مؤامرة دولية تقودها الولايات المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران». هذا الهوس بوجود مؤامرة خارجية يدفع إيران دوماً نحو التقوقع على الذات ومعاداة الخارج القريب والبعيد.

لكن وبعيداً عن الانفتاح والتقوقع تجاه العالم الخارجي، فإن أكثر ما يثير الإعجاب في النموذج التركي وخلافاً للنموذج الإيراني هو التعايش السلمي بين الإسلام والديمقراطية، والتوافق المدهش بين كل ما هو مدني وديني، والتصالح البديع بين أفضل ما في الشرق وأفضل ما لدى الغرب. تركيا دولة ديمقراطية يحكمها حزب إسلامي يؤمن إيماناً عميقاً ومبدئياً بالنظام العلماني التعددي المنفتح كل الانفتاح على العالم، فتركيا مزدهرة اقتصادياً، ومستقرة سياسياً، ومعتدلة إيديولوجياً وتشكل الاستثناء في منطقة جغرافية مليئة بعدم الاستقرار السياسي، والإخفاق التنموي، والعنف المذهبي، والتشدد الفكري.

في المقابل، فإن أكثر ما يثير الانزعاج في النموذج الإيراني هو انغلاقه على الفكر الواحد، والتيار الواحد والمرشد الواحد الذي لا يعرف التسامح مع المعارضة السلمية، ويتحدث بلغة القرون الوسطى ويكرر مصطلحات بالية كالاستكبار العالمي، والشيطان الأكبر، والإمبريالية، والمؤامرة الخارجية، التي فقدت صلاحيتها وتنم عن جهل شديد بالمستجدات العالمية المتلاحقة التي أخذت تتجاوز إيران المتقوقعة على نفسها. بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على الثورة الإسلامية لم تتمكن إيران، التي تنفق بسخاء ما بعده سخاء على تطوير قدراته العسكرية والاستخباراتية والصاروخية والنووية، من بناء النموذج الإسلامي المعاصر، وقد فشلت فشلاً ذريعاً في توفير حياة حرة وكريمة وآمنة للشعب الإيراني في الداخل. فالاقتصاد الإيراني يعاني الحصار وبلغت البطالة 35%، والتضخم 40%، علاوة نقص شنيع في السلع الأولية والاستهلاكية بما في ذلك اعتماد إيران على استيراد 40% من متطلباتها من الوقود، على الرغم من أنها تملك ثالث أكبر احتياطي نفطي وتعتبر رابع أكبر مصدر للنفط في العالم.

لذلك شتان بين تركيا المتصالحة مع نفسها وجيرانها وإيران التي تعيش حالة مواجهة دائمة مع الداخل والخارج، والمؤكد أن الفرق بين الجار التركي والإيراني سيزداد وضوحاً لدى الجمهور العربي عند مقارنة محتوى قناة «العالم» الإيرانية وفضائية «التركية» التي انطلقت الأسبوع الماضي. فالأولى قناة مؤدلجة ولديها أجندة سياسية وتروِّج للسياسة الإيرانية وتصب في سياق زيادة التطرف الديني والتزمت الفكري والتخندق المذهبي ولاهدف لها سوى التركيز على ضعف النظام الإقليمي العربي. أما قناة «التركية» فلا تحمل رسالة سياسية فجة، بل تركز على ما هو مشترك بين تركيا والعرب، وجاءت للترويج للثقافة والسياحة ولكل ما هو جميل ومحبب في تركيا من حضارة وفن وطرب ومسلسلات تلفزيونية درامية أصبحت أكثر رواجاً من المسلسلات الدرامية العربية لدى المشاهد العربي.

إيران هي أكثر دول الجوار استفزازاً وتركيا أكثرها احتضانا، وشتان وألف شتان بين الحضور التركي والإيراني، ولا يمكن اليوم وضع إيران وتركيا في سلة واحدة، ودمجمها في رابطة واحدة لدول الجوار العربي كما اقترح الأمين العام لجامعة الدول العربية. فكرة هذه الرابطة سابقة لأوانها، وغير مجدية وغير واقعية وولدت لتموت.

* باحث وأكاديمي إماراتي 

back to top