جندالله: تشابك الأهداف الوطنية والعرقية والطائفية

نشر في 02-08-2009
آخر تحديث 02-08-2009 | 00:00
 د. حمد حميد البلوشي قامت السلطات الإيرانية أخيراً بإعدام عدد من مواطنيها بحجة اشتراكهم ومساعدتهم لحركة تمرد ناشطة في إقليم سيستان بلوشستان- جنوب شرقي إيران– تعرف بـ"جند الله". ووجهت الحركة ضربات عدة للنظام الإيراني بتنفيذها لعدد من الهجمات ضد أهدافٍ عسكرية وأخرى مدنية راح ضحيتها الأبرياء، ويقود الحركة شاب يدعى "عبدالمالك ريغي"، الذي بدأت نشاطاته الحربية في الظهور عام 2003، كما يشير عدد من التقارير.

المشكلة الأولى التي تواجه المتتبع لأخبار وتحركات هذه الجماعة هي الامتزاج بين أهدافها الوطنية والعرقية والدينية، وتكمن المشكلة الثانية في مسألة تصنيفها بين كونها حركة تمرد أم حركة إرهابية.

ينشط "جند الله" في إقليم يختلف عرقياً ومذهبياً عن طهران، فمن الناحية العرقية يتكون التنظيم من الأقلية البلوشية التي تشكل حوالي 3 في المئة من نسبة السكان في إيران، ومن الناحية المذهبية، فهو ينتمي إلى الطائفة السُنية التي تمثل ما يقارب 20 في المئة من الشعب الإيراني.

لا ينادي التنظيم بضرورة استقلال إقليم سيستان- بلوشستان عن الدولة الايرانية، ولكنه يطالب بنظام فيدرالي يضمن حقوق الأقليات العرقية والمذهبية في إيران، كما يدعو إلى اسقاط النظام الاسلامي الحاكم واستبداله بنظام ديمقراطي شأنه في ذلك شأن الحركات المعارضة لنظام ولاية الفقيه، كما يدعو التنظيم إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في ايران بطوائفهم ودياناتهم وانتماءاتهم العرقية المختلفة، ولعل ما يلفت الانتباه هو الدعوة إلى إطلاق سراح آية الله حسين بروجردي- نجل آية الله العظمى البروجردي مرجع التقليد الأكبر في ستينيات القرن المنصرم وأحد أساتذة آية الله الخميني- الذي اعتقل عام 2006 وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً، كما تقول "منظمة العفو الدولية". واستغلت الحركة الأحداث اللاحقة للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة للترويج لفكرة سقوط النظام ودعمت التحركات المناوئة للرئيس أحمدي نجاد. كما يدعو التنظيم في بيان له أخيراً أبناء السُنّة في إيران إلى المشاركة في التظاهرات لإعادة انتخاب نجاد.

هذه النزعة الوطنية يقابلها التأكيد على مظلومية العرقية البلوشية في إيران. فقد دعا التنظيم في كثير من البيانات النظام الإيراني إلى احترام كرامة هذه الفئة من الناس كما يستنهض همم أبناء هذه الفئة من خلال تأكيده على وحشية النظام الإيراني التي تحط من كرامة أبناء عرقهم كالاعتداء الجنسي ضد نسائهم وعدم احترام كبار السن، كما تدعي الجماعة.

إلى جانب ذلك، يصر التنظيم في كثير من الأحيان على سُنيّته وينادي بضرورة اتحاد الشعب السُني في إيران ضد النظام الإسلامي. ولعل المنطلق الديني يطغى على المنطلقات الأخرى للتنظيم ما حدا بالجماعة إلى تصنيف نفسها على أنها جماعة دينية بالدرجة الأولى تهدف إلى حماية حقوق الأقلية السنية في إيران. ففي أحد البيانات يطالب زعيم التنظيم أهل السنة في إيران الى الوحدة والتكاتف حيث يقول: "نحن أمة واحدة ولدينا دين واحد وننتمي إلى مذهب واحد، إننا جميعا إخوة ويجب أن نتحد ضد عدونا وعدو مذهبنا".

كما أكد مراراً انه أُجبر على المضي في حربه ضد النظام الإيراني بسبب ما تقاسيه الأقلية السُنيّة في الدولة، فيقول في كلمة له مسجلة "ماذا كان بوسعنا فعله؟ عندما نعلم أنهم (القائمون على النظام الإيراني) معادون لنا بصورة دائمة؟ ما الطرق الأخرى التي كان يجب علينا اتخاذها للدفاع عن أنفسنا وعن حقوقنا؟".

ورغم دعوته المتكررة إلى الوحدة الإسلامية وتأكيده احترام حقوق الأقليات المذهبية، قام النظام الإيراني بالعديد من الإجراءات التي تعتبر من وجهة نظر أهل السنة والجماعة ممارسات عنصرية وطائفية موجهة ضدهم. فقد اعتقل العديد من علماء الدين السنة في إيران، كما بيَّن تقرير صادر عن منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان في عام 1997. ويشير التقرير إلى أن في تلك السنة كان يقبع ما يقارب ستين عالماً سُنيّاً في السجون الإيرانية، كما قامت الحكومة الإيرانية بإعدام عدد من علماء الدين السُنّة، وقد أغلقت العديد من المدارس الدينية السُنيّة تحت مختلف الذرائع كما هدمت عدد من المساجد السنية لمسوغات مختلفة.

خلال حربها المعلن ضد طهران، شنت منظمة "جند الله" عمليات مختلفة ضد أهداف عسكرية إيرانية مختلفة مستفيدة من الظروف الجغرافية لإقليم سيستان- بلوشستان حيث تقع جبال تافتان التي تصل ارتفاعاتها إلى 4500م عن سطح البحر، هذا إضافة إلى سلاسل جبلية أخرى والأراضي الصحراوية التي تكثر في الإقليم. وغالبا ما يدعو التنظيم الشباب السُنّي في إيران إلى الاستفادة من الظروف الجغرافية هذه والالتحاق به في تلك المرتفعات. وما يعزز قدرة الحركة على المناورة هو هشاشة الأمن الحدودي بين كل من إيران وباكستان وأفغانستان، حيث يزدهر التهريب في المنطقة، خصوصاً تهريب المخدرات والأسلحة، كما يساعد الوضع الهش المنتمين إلى الحركة على الهروب إلى الدول المجاورة والتسلل منها إلى الإقليم لتنفيذ عملياتها.

لقد اختطفت الحركة عدداً من الجنود الإيرانيين كان آخرها العملية التي استطاعت من خلالها الهجوم على مركز للشرطة الإيرانية وأسر 16 شرطياً إيرانياً في شهر يونيو من العام الماضي، وفي فترة لاحقة أعدمتهم الحركة جميعاً نتيجة لعدم استجابة السلطات الإيرانية لمطالباتها بضرورة إطلاق سراح عدد من المؤيدين لها، وقتلت أعدادا أخرى من الحرس الثوري، كما حصل في انفجار حافلة كانت تقلهم في فبراير من عام 2007. كما قام التنظيم باغتيال عدد من المسؤولين الإيرانيين كالقاضي ابراهيم كريمي في العام الماضي.

إلا أن "جند الله" قد استهدف أيضاً عدداً من المدنيين العزل، فتشير تقارير عدة إلى صلة التنظيم بمقتل عدد من المارة في إقليم كرمان. ورغم إنكار الحركة لأي صلة لها بتلك العمليةـ فإن ريغي يبرر قبل شنه لإحدى العمليات استهداف المدنيين على اعتبار أن النظام الإيراني يقوم بالعمل نفسه ضد أبرياء من الأقلية البلوشية ومن أبناء الطائفة السُنيّة.

واتخذت الحركة من العمليات الانتحارية سلاحاً لها في حربها ضد طهران، فقد شنت الحركة عدداً من العمليات الانتحارية كان أبرزها العملية التي نفذت في زاهدان- عاصمة سيستان- بلوشستان- ضد أحد المساجد الشيعية في مايو الماضي، واللافت في الأمر أن العديد من علماء الدين من الطائفة السُنيّة قد أدانوا تلك العملية، ولكن التنظيم أخذ يُنظّر ويُشرع لمهاجمة المساجد الشيعية على أنها مساجد ضرار، كما أنكر على خصومه اتهامه بضرب الأبرياء على اعتبار أن مَن قُتلوا في تلك الهجمة كانوا من قوات "الباسيج" الذين كانوا يرددون شعارات معادية للصحابة في مناسبة دينية شيعية، كما ترى الحركة، كما تدعي الحركة أن المئات من أبناء السُنّة في إيران على استعداد لتنفيذ عمليات انتحارية ضد أهداف مختلفة في إيران.

وهنا تأتي الإشكالية الثانية في مدى المشروعية التي يتمتع بها التنظيم، فهل هي حركة متمردة أم أنها حركة إرهابية لا تختلف عن تنظيم القاعدة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية؟ تذكِّر العمليات الانتحارية التي تشنها الحركة بتنظيم "القاعدة" وعملياته الانتحارية في العراق وغيرها من الدول. ولكن هل للتنظيمين أي صلات؟ تتخذ الحكومة الإيرانية من العمليات التي ينفذها "جند الله" ذريعة لإيجاد الصلة بينه وبين "القاعدة"، إلا أن لا وجود لأي دليل يذكر لعلاقة الحركتين تنظيمياً إلا أن ذلك لا يمنع ارتباطهما فكرياُ وإيديولوجيا كون أن منطلقاتهما الفكرية واحدة، وعدوهما المشترك متمثل في الطائفة الشيعية والغرب. فكما كفَّر "أبومصعب الزرقاوي" الشيعة في العراق، يكفر عبدالمالك ريغي الشيعة في إيران والسلطة الإيرانية على اعتبار أنها معادية للمذهب السُنّي وللصحابة. وكما وجهت "القاعدة" ضرباتها إلى الغرب، يؤكد ريغي كرهه للولايات المتحدة الأميركية، ويُشبه تنظيم "جند الله" نظيره "القاعدة" في إجراء المحاكمات السريعة لضحاياه وإعدامهم بطرق مختلفة كقطع رؤوسهم أو رميهم بالرصاص أمام عدسات الكاميرات.

مجمل القول إن "جند الله" هو نتاج للسياسات الإيرانية تجاه الاقليتين البلوشية والسُنيّة في إيران، ونتاج الإهمال الذي يطغى على إقليم سيستان- بلوشستان الذي بات يعرف بـ"إفريقيا إيران" لشدة فقره وتخلفه عن بقية الأقاليم في إيران، كما تؤكد تقارير مختلفة صادرة عن مؤسسات دولية محايدة. ويشكل بروز تنظيم كـ"جندالله" في إيران تحدياً كبيراً لاستقرار النظام الإيراني الذي يعاني أزمة داخلية ناجمة عن صراعات أقطاب النظام، إضافة إلى سخط الأقليات المختلفة في إيران ضد طهران كالأكراد أو العرب في الأهواز والمناطق المجاورة لها. وما يزيد من خطورة التنظيم هو وقوعه في منطقة لها امتدادات إقليمية حيث تمتد بلوشستان الكبرى لتشمل أجزاءً كبيرة من باكستان وأفغانستان، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار نشاط جماعات جهادية مماثلة لـ"جندالله" في هاتين الدولتين يتضح لنا مدى المأزق الأمني والاستراتيجي الذي تواجهه إيران في تلك المنطقة.

 

* معيد بعثة في قسم العلوم السياسية- جامعة الكويت

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top