الذكر والأنثى

نشر في 29-06-2009
آخر تحديث 29-06-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي كثرت الشبهات حول وضع المرأة في الإسلام، وأنها ليست مساوية للرجل سواء في قانون الأحوال الشخصية مثل الطلاق بيد الرجل، وتعدد الزوجات حق للرجل وإن كان مشروطا بالعدل المستحيل، والميراث، والقوامة.

وقامت حركات حقوق المرأة المتأثرة بالتراث الغربي لتنادي بمساواة المرأة بالرجل في الإسلام، وطبقا للمواثيق الدولية، كما قامت حركات الإصلاح في مصر وتونس بإجراء بعض الإصلاحات على قوانين الأحوال الشخصية مثل الطلاق أمام القاضي وتعدد الزوجات بشرط موافقة الزوجة الأولى، وإلا كان لها الحق في طلب الطلاق.

فما صورة الذكر والأنثى في القرآن الكريم؟

ذُكر لفظ «ذكر» في القرآن ثماني عشرة مرة، نصفها للمساواة مع الأنثى ونصفها الآخر لعدم المساواة، المساواة في الخلق «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» للتكامل بينهما عضويا ونفسيا حتى تستأنف الحياة من خلال الذرية «فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى»، كل منهما مكمل للآخر، ولا تستقيم الحياة بطرف دون آخر، والتفاوت بينهما في العمل والأداء «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى».

الاختلاف بينهما من أجل التعدد والوحدة، التفرق والتعارف «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى».

والمساواة في الخلق والاختلاف في السعي، أي في الأعمال طبقا لقانون واحد يطبق على الاثنين وهو قانون الاستحقاق «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» يتساويان في الجزاء على العمل الصالح «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ»، ويحيا كلاهما في الدنيا حياة طيبة وفي الآخرة لهما الجنة «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»، «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ».

أما عدم المساواة فإنها ترد طبقا للعقلية العربية البدوية في تفضيل الذكر على الأنثى «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى»، وتصور الله أنثى وليس ذكرا «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى». كما يرد في إطار الميراث، أن الأنثى لها نصف ما للذكر في مجتمع له لم يكن للأنثى أي حق، بل ليس لها أي حق في الحياة وفي الوجود «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»، بالرغم من أن بعض العالمين بقانون الميراث والمعادلات الرياضية يقولون إنه في بعض الحالات يكون للأنثى نصيب أعلى من الذكر، ولما كانت الوحدة هي الأسرة وليس الفرد يكون لها نصيب ونصف، ذكرا وأنثى.

أما لفظ الأنثى فقد ذكر ثلاثين مرة، أكثر من الذكر، نصفها مفرد «أنثى» وربعها مثنى «أنثيين» والربع الأخير جمعا «إناث»، والمعنى الغالب على الاستعمال المفرد هو المساواة في الجزاء طبقا لقانون الاستحقاق «أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»، «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ».

وينال كل منهما الحياة الأبدية على السواء «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ»، وكلاهما له نفس الجزاء «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ»، وهناك المساواة في الخلق وفي الطبيعة «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» وخلق كلاهما من مَنِيّ واحد «فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى».

والله يعلم ما في الأرحام «وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ»، إن الله هو الذي يصور في الأرحام الذكور والإناث «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ»، وبزواج الإناث والذكور ينشأ الخلق العظيم «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ».

أما عدم المساواة في الميراث «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» في مجتمع لم يكن للمرأة فيه حق للميراث، والأغلب أن يأتي ذكر عدم المساواة تهكما على العقلية البدوية التي تجعل للذكر قيمة أعلى من الأنثى منذ الميلاد «فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى»، فهي العادة التي جعلت وجه العربي يسود إذا بُشر بأن المولود أنثى «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ». وطبقا لهذه العادة لا يمكن تصور الله أنثى «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى»، «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا».

ويتهكم القرآن على من أعطى لنفسه الذكور ووهب الله إناثا من الملائكة «أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا»، كما يتهكم على الذين يجعلون الملائكة إناثا من خلق الله والملائكة ليس لهم جنس «أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ».

الملائكة عباد الرحمن، ليسوا إناثا ولا ذكورا «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا» وإذا تغيرت العقلية البدوية تغيرت التصورات، وإذا ظلت مستمرة لدى الطبقات الشعبية فإنها بدأت في التغير لدى النخبة المثقفة التي اختارت المساواة، ولقد فضل الله مريم على نساء العالمين، وبرأ عائشة من حديث الإفك، وكان لخديجة وعائشة وفاطمة في حياة الرسول فضل كبير.

* كاتب ومفكر مصري

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top