لماذا يغير الناس جلودهم في رمضان؟ كثير من المظاهر يتوارى بعد انتهاء الشهر

نشر في 22-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 22-09-2008 | 00:00
No Image Caption
يتسابق الناس إلى أعمال الخير في شهر رمضان، ويتسارع المسلمون إلى بذل الخير والحرص على أداء العبادات، وصلة الأرحام، ومواساة الفقير، وحسن التعامل، وتمتلئ المساجد بالمصلين، لكن هذه المظاهر سرعان ما تتوارى بعد انتهاء الشهر الفضيل! وكأن الناس يغيرون جلودهم في رمضان! ننسى الفقراء والمحتاجين طوال العام، ونذكرهم فقط في رمضان! وبانتهائه يعود الناس إلى ما كانوا عليه، فتختفي كثير من مظاهر مساعدة المحتاجين، ومعاملة الناس بالحسنى والتسامح والتراحم.

ينقسم الناس في شهر رمضان الكريم الى قسمين، قسم كان على خير وطاعة، فلما جاء الشهر الفضيل، ضاعف من جهده وجعل من رمضان غنيمة ربانية، ومنحة إلهية، استكثر من الخيرات، وتدارك ما فات، ولما انتهى الشهر الكريم استمر في عبادته وطاعته، فلم يغير رمضان منه شيئا، فلم يغير من نفسه فيه. أما القسم الآخر فكان قبل رمضان في غفلة، فلما أقبل أقبل معه على الطاعة والعبادة، صام وقام، قرأ القرآن وتصدق، ولكن مع انتهاء رمضان عاد إلى ما كان عليه.

الناس «غير»

يغير الناس جلودهم في رمضان، ويقومون بفعل اشياء مضادة لما كانوا يقومون به من قبل، فمن كان بخيلا قبل رمضان، اصبح كريما، ومن لم يكن يصلي صار يصلي، ومن اعتاد على الكذب شفي منه في نهاره، ويغير الكثيرون سلوكهم، حيث يحافظون على اداء الصلوات، ويكثرون من قراءة القرآن ومعاملة الناس معاملة حسنة، هذا هو حالهم في النصف الاول من الشهر، وكلما تزايدت ايام الشهر واقتربنا من انتهائه، نجدهم يبدأون تدريجيا في الرجوع الى ما كانوا عليه قبل بدايته، وصولاً الى ليلة عيد الفطر المبارك، حيث يصل التغيير الى ذروته.

جهات عديدة تجعل من شهر رمضان وسيلة لجمع الارباح، في ظل غياب الجهات الرقابية، ومن ابرز القطاعات التي تحقق ارباحا فاحشة خلال هذا الشهر الجمعيات التعاونية التي تستغله في زيادة مبيعاتها، ولا أحد بات يصدق الشعارات التي يضعونها على جدران الجمعيات، والتي تقول «الاسعار غير في شهر الخير» فمعظمها شعارات كاذبة، واذا كان الناس يكفون عن الصلاة بعد انتهاء رمضان فإن الجمعيات التعاونية تقوم ايضا بزيادة اسعار منتجاتها عقب انتهائه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه «لماذا بعد انتهاء شهر رمضان تقوم الجمعيات التعاونية بزيادة اسعار منتجاتها؟ هل يأكل الناس في رمضان ويصومون باقي الشهور؟»... كما يلاحظ تسابق المقاهي إلى عمل الخيم الرمضانية لاستقطاب الزبائن، ليعوضوا ما فاتهم من نهاره».

النساء بلا «رتوش»

الجنس الآخر أكثر من يلاحظ عليهن التغيير خلال شهر رمضان، بسبب عدم وضعهن المساحيق، ما يجعلهن يظهرن بشكل آخر غير الذي اعتدن الظهور به، ويفسر أستاذ الحضارة الاسلامية في جامعة الخليج د. صلاح الدين ارقه دان اسباب تغيير السلوك الانساني في رمضان، قائلا: «من الناحية التربوية فإن الانسان لا يستطيع أن يكون على سياق واحد طول الوقت، فلا يمكن ان يكون مرتاحا ولا قلقا كل الوقت، فمزاج الانسان بطبيعته متغير، وكل علماء المسلمين يعتبرون شهر رمضان فترة تدريبية للمسلمين حتى يحسنوا اداءهم».

ورأى أن «الخطأ ليس في الاهتمام بشهر رمضان، لكنه يكمن في من يهتمون فقط برمضان، ثم بعد نهايته تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ولا يستفيدون من هذه الفترة من حيث البر والرحمة وصلة الرحم، وهؤلاء ينطبق عليهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” فالعبرة بالتقوى. وعلى الانسان أن يعلم أن رب رمضان هو رب باقي الشهور.

بداية الطريق

وقال د. صلاح الدين ان «اي شخص يريد الاستفادة من رمضان عليه أن يعلم أنه شهر ليس مفصولا عن باقي الشهور، وهو بداية الطريق الصحيح لاصلاح النفس لا نهايته، ومن ابرز الاشياء التي ألاحظها في رمضان والتي لا توجد في باقي اوقات السنة الرحمة والاعمال الخيرية، فنجد للجمعيات الخيرية نشاطا ملحوظا في شهر رمضان، وتعتبر فرصة للفقير لأن يتصدق».

وتابع: «لاحظت عدم تبرج النساء في رمضان وارتدائهن الحجاب، وسألت إحداهن ذات مرة عن اسباب ارتدائهن الحجاب في رمضان والكف عنه باقي الشهور، فكانت الإجابة بأنه فعل ارادي، وليس لدينا الجرأة الكافية لتغيير عادة اعتدناها، لكن شهر رمضان يعطينا هذه الجرأة، واقول ان من استطاعت ارتداء الحجاب في رمضان، تستطيع المحافظة عليه باقي الشهور».

واستغرب ممن يُغضبون الله في ليلة عيد الفطر «من يقدم على القيام بالمحرمات ليلة عيد الفطر المبارك فإنه ضعيف الارادة وقليل الادب، وليس لديه ادب سلوكي ولا إرادة واحترام لثقافة المجتمع الذي ينتمي اليه، فما يحدث في ليلة العيد أمر شنيع، فارتكاب المنكر في هذه الليلة اعظم من ارتكابها في الايام الاخرى».

تغيير السلوك

الناشطة السياسية نادية الشراح أبدت عدم اتفاقها مع كل من يغيرون من سلوكهم العام فقط في رمضان، وطالبتهم بالاستمرار على نفس النمط اذا كانت تلك السلوكيات جيدة، وتضيف أنها مع التغيير في حال ما اذا كانت النية بأن يتخذ من شهر رمضان الكريم بداية لوضع خطوط عريضة تصنع منهم شخصية متسامحة لها أبعاد إنسانية، فالفقر والعوز لا يظهران فقط بالمواسم، فلا يجوز مساعدة الفقراء والمحتاجين في هذا الشهر ونسيانهم خلال الشهور الباقية، حيث إن الشعور بهم يجب أن يكون ملازما لنا بصورة دائمة، وقالت: «إن قدوم شهر رمضان يمنح الفرصة لتهذيب النفوس وتقنين السلوك»، وتضيف أن من الأهمية ألا يعيش الناس في رمضان حالة من الازدواجية في الشخصية، أو ما يسميه بعض المفكرين بالوعي الفاسد للدين، كأن نظهر سلوكيات للعموم بغرض الاستعراض ليس إلا، فالرسول الكريم (ص) حين كان يتعبد ويناجي الله سبحانه كان يعتزل العموم من الناس، أما ما نراه في أيامنا هذه من استعراضات وتدين ظاهري تحت مسميات تجارية عديدة ولا علاقة لها بتغذية الروح من العبادات، فهي برأيي حالة مرضية لا يجوز أن تنمو في مجتمع واع يدرك أفراده أمورهم الحياتية، ويستطيعون التمييز بين ما يدخل ضمن نطاق العبادة، وما يتعداه إلى مرحلة التكسب التجاري أو السياسي تحت ذرائع الدين.

ظاهرة

د. نورية الخرافي رأت وجوب أن يحافظ الناس «على صلواتهم ومساعدة الفقراء ومعاملة الناس معاملة حسنة طوال العام، وليس فقط في رمضان»، مشيرة الى ان «من يذهب الى المصليات الموجودة في المجمعات خلال صلاة المغرب في اي يوم فسيجدها ممتلئة بالمصلين، سواء الخاصة بالرجال أو النساء»، معتبرة أن «تغيير السلوك في رمضان ليس ظاهرة».

وبررت كثرة أعمال الخير في رمضان بأنه «فرصة للقيام بمثل هذه الأعمال، فالجمعيات الأهلية تقوم بجمع التبرعات لافطار صائم خلال هذا الشهر، ويكون فرصة للعمالة الهامشية من المسلمين وغير المسلمين لتناول وجبة دسمة، قد لا يأكلونها معظم شهور السنة، كما أن الجو الإيماني يساعد على القيام بجميع الأعمال التي تقربنا من الله».

وقالت الدكتورة الخرافي: «ان هناك العديد من العادات التي كانت موجودة بالماضي، فكنا نستقبل رمضان بعمل الهريس والجريش وهما من الأطباق الرمضانية المشهورة في السابق، والتي كانت نادرا ما تعمل في غير رمضان، وكان يستقبل بعمل الحفلات داخل المنازل، احتفالا بمجيء الشهر، كل هذه العادات لم توجد الآن، واصبحنا نستقبله بالملابس والاواني الجديدة الآن، والزحمة المرورية التي لا تطاق ليلاً في رمضان».

استغلال التبرعات

تتسابق جمعيات خيرية إلى جمع التبرعات خلال شهر رمضان، وتستغل هذا الشهر لاستقطاب أكبر عدد من المواطنين والمقيمين للتبرع لمصلحتهم، سواء عن طريق الاستقطاع البنكي من رواتب المتبرعين أو التبرع بصورة مباشرة، ويتواجد مندوبو الجمعيات الخيرية بكثرة عند مداخل الجمعيات، وفي المساجد، ويساعدهم في ذلك بعض ائمة المساجد الذين يسمحون لهم بإلقاء خطبة دينية عاطفية عقب انتهاء الصلاة تبين للمصلين فضل التبرع في هذا الشهر، الا انهم لم يتاكدوا ان كانت هذه التبرعات تصل إلى المحتاجين.

تعليقات

تغيير السلوك في رمضان ليس ظاهرة

د. نورية الخرافي

لا أتفق مع كل من يغير سلوكه العام خلال رمضان

نادية الشراح

رمضان ليس مفصولاً عن باقي الشهور

د. صلاح الدين ارقه دان

back to top