حرب القوقاز الدّوليّة: التّسخين مباشرة وبالوكالة

نشر في 26-08-2008
آخر تحديث 26-08-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ الصّفعة التي تلقّتها الادارة الجورجيّة بزعامة رئيسها؛ الآتي كناتج من نواتج ما أطلق عليه غربيا «الثورات الملوّنة» ميخائيل ساكاشفيلي، في أعقاب قرار شن الحرب على أوسيتيا الجنوبيّة، الاقليم الانفصالي الّذي يطالب بالاستقلال، هذه الصّفعة كانت أكثر من مزدوجة؛ بعد أن تكشّفت ردود الفعل الرّوسيّة عن أبعاد؛ ما كانت لتبلغها –عسكريّا خاصّة – لولا تراكمات الاستفزاز الغربي، بدءا من عمليات الدّمقرطة الاستعراضيّة، مرورا بمحاولات الاقتراب أكثر من قبل النّاتو ونشر الدّرع الصّاروخيّة قريبا من حدود الأمن القومي الرّوسي. وأخيرا وليس آخرا دفع جورجيا للتّحرّش بروسيا، عبر الهجوم على قوات حفظ السّلام الرّوسيّة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة.

ازدواج الصّفعة تعدّى الغرب الأوروبي أو الغرب الأميركي، إلى توجيه لكمة مباشرة إلى إسرائيل؛ التي كانت تأمل وعبر استثمارها وتوظيفها للحدث الجورجي، إعادة الاعتبار ولو قليلا؛ إلى منتجاتها العسكريّة التي تضرّرت سمعتها جرّاء نتائج حرب (يوليو) 2006 في لبنان، حيث انكشفت عيوبها؛ بل تعطّلت فاعلياتها التي كان يجري الرّهان عليها وعلى إمكانيّة تفوّقها في أيّ حرب نظاميّة أو غير نظاميّة قادمة.

وهكذا جاءت نتائج الحرب التي اندفع إليها ساكاشفيلي ونظامه المدعوم من الغرب؛ المتحالف مع إسرائيل في بلادنا، لتضع العالم كلّه، وليس المحيط الاقليمي الأوراسي فحسب، في مواجهة تفعيل حالة الحرب الباردة المستعادة، أو المتجدّدة في الفضاء الدّولي، بعد أن بلغت حيثيّات معطياتها الرّاهنة منذ العام 1990 امتدادا حتّى اللحظة؛ مجموعة من الأفعال وردود الأفعال الخجولة، أو القاصرة عن بلوغ التّحدّيات المفترضة.

ورغم اضطرار الادارة الأميركيّة إلى القيام بتحرّكات في أكثر من اتّجاه، في محاولة منها لتطويق تداعيات النّجاح الميداني الرّوسي في الفضاء الاقليمي للمنطقة، وليس في جورجيا فحسب؛ فإنّ ازدياد المؤشّرات إلى أزمة محتملة بين روسيا وأوكرانيا، شريكة جورجيا في ما أسمي «الثورات الملوّنة» لجهة تطلّعها نحو أوروبا والولايات المتّحدة في محاولة للخروج من طوق الهيمنة الرّوسيّة، فإنّ هذا لن يضمن لواشنطن إعادة الامساك بورقة الصّراعات الاقليميّة في المنطقة، بما يعيد لها هيمنة طموحة مازالت تفتقدها حتّى اللّحظة؛ في مواجهة حزم روسي يبدو أنّه خرج من إطار المتوقّع أميركيّا على الأقل، وإلى حدّ ما أوروبيّا؛ ما أتاح للرّئاسة الفرنسيّة للاتّحاد؛ التّدخّل على خط الوساطة بين روسيا وجورجيا، لا سيّما أنّ موسكو وفي إطار استراتيجيّة المصالح المعتمدة على النّفط والغاز في النّطاق الأوروبي، لا تخشى ردودا أوروبيّة غير معتادة تخرج عن إطار السّيطرة.

وبتوقيعها على اتّفاقيّة الدّرع الصّاروخيّة في 14و20 أغسطس، تكون بولندا قد وضعت نفسها في مواجهة روسيا المتطيّرة من تلك الدّرع، التي تعتبرها موجّهة ضدّها، وضدّ مصالحها القوميّة في الفضاء الأمني الرّوسي الممتد عبر الفضاء السّوفييتي السّابق، لا سيّما أنّ توقيت التّوقيع يحمل في طيّاته مستوى معيّنا من التّحدّي، في الوقت الّذي لم تخرج فيه بعد من تداعيات تحرّكها العسكري ضدّ جورجيا، ونزوعها المغامر والخاطئ استنادا إلى اتجاهات تحريضيّة غربيّة، بالغت كثيرا في الاقتراب من حدود المصالح الاستراتيجيّة والأمنيّة الرّوسيّة، وبما قد يؤدّي للإضرار بقضايا النّفط والغاز وطرق تصديرها عبر بعض دول الاتحاد السّوفييتي السّابق، علاوة على التّجرّؤ أكثر بالدّفع نحو الاستمرار بفكفكة شبكة علاقات موسكو بدول وجمهوريّات الفضاء السّوفييتي السّابق، أو التّدخّل في شؤونها الداخليّة أو البينيّة، لاسيّما أنّ تجربة تفكيك يوغسلافيا السّابقة مازالت ماثلة بتداعياتها التي شكّل استقلال كوسوفو آخرها.

وبهذا يكون التّوتّر المتزايد في المنطقة قد دخل مرحلة جديدة من سباق تسلّح، ونشر منظومات تسليحيّة تقليديّة وغير تقليديّة، لا بدّ من أن تدفع موسكو إلى تمتين العلاقات الرّوسيّة-البيلاروسيّة وإعادة نشر منظوماتها الصّاروخيّة الدّفاعية في الأراضي البيلاروسيّة، وذلك في توجّه واضح من قبل موسكو لتوجيه تهديدات مماثلة لوارسو ولغيرها، بعد أن لمّحت أوكرانيا في السادس عشر من أغسطس الجاري إلى إمكان ضمّ أنظمتها المضادّة للصّواريخ إلى نظام أجنبي!! وإعلان الرّوس أنّهم بصدد استهداف أيّ طرف إقليمي أو دولي يستمر في استفزازهم، سواء عبر اقتراب النّاتو أو الاقتراب الأميركي أكثر من المصالح القوميّة لروسيا؛ التي لم تتورّع عن الرّد على حرب ساكاشفيلي ضدّ أوسيتيا الجنوبيّة بحرب أعنف، حتّى لو كان الأمر سوف يفضي إلى خلق حروب إقليميّة أخرى، باتت تخاض بالنّيابة من جانب واشنطن والحلف الأطلسي، ومباشرة من جانب موسكو المستيقظة بعد سبات. تلك الحروب الهادفة إلى منع روسيا من استعادة حضورها الموازي لدورها وطموحها الدّوليين.

ويبدو أنّ موسكو وعبر تقنيّات تسليحها العسكري، قادرة على اختراق الدّرع الصّاروخيّة في حال نشرها في بولندا، وقد يكون بإمكانها تعطيل عمل الرّادارات المنوي نشرها في تشيكيا كذلك، ولهذا ليس موضوع الدّرع ما يجعل موسكو أكثر حدّة في مواجهتها أهداف الاقتراب الغربي/الأطلسي في الفضاء الأوراسي لروسيا، خصوصا وهي تدرك منذ البداية أن أهداف نشر الدّرع لم يكن موجّها ضدّ إيران، إنّما بدأت فكرتها في مواجهة الصّين بهدف تطويقها، وفي مواجهة روسيا بهدف منعها من العودة قطبا دوليّا منافسا للقطب الأميركي الآخذة هيمنته بالتّفكك تدريجيّا، في ظلّ تعثّر وتعسّر قيادته للعالم.

لقد ربحت روسيا شراكتها الدّوليّة المستمرّة راهنا، بالقوّة العسكريّة التي توّجتها تراكميّا، بالقوّة الاقتصاديّة والدّبلوماسيّة والسّياسيّة التي أحرزتها من قبل، وهي لهذا لن تتخلّى عن مكتسباتها التي حقّقتها؛ ليس في مواجهة جورجيا، إنّما في مواجهة الوضع الدّولي برمّته، ومن ضمنه الوضع الأميركي المهتز، جرّاء فقدانه جدارة الاستمرار بوحدانيّته القطبيّة. وبعد أن أثبت الغرب عجزه عن عزل روسيا، كما أنّ خشية الغرب من استفزاز روسيا عسكريا –رغم المغامرة الجورجيّة– يدفعها إلى الحفاظ على الشّراكة الاستراتيجيّة معها، خصوصا من جانب الأوروبيين الّذين أدركوا، أسرع من الأميركيين؛ حساسية الوضع الرّوسي، وأهمّيّة عدم القيام بما يستفزّ موسكو ويخرجها من طورها بما يهزّ استقرارها الرّاهن. ولهذا ستبقى الشّراكة الضّروريّة، بين قطبي النّظام الدّولي؛ تعيش محكّ اختبارات ملزمة وملازمة لحال التّوتّرات القائمة والمحتملة، طالما استمر النّظام الأميركي يرى في نفسه أنّه الأقدر على قيادة النّظام الدّولي؛ أحاديّا وبشكل منفرد، رغم العثرات والتعثّرات، والعسر البيّن والاختلالات الواضحة والفاضحة في أسس تلك القيادة.

* كاتب فلسطيني

back to top