وجهة نظر ثمن الارتباط الكاثوليكي بالدولار

نشر في 27-09-2007
آخر تحديث 27-09-2007 | 00:00
 حسين العويد لم يعد ثمن الاصرار على ارتباط بعض العملات الخليجية بالدولار، يعني فقط، تآكل المدخرات المالية الخليجية وانخفاض القيمة الحقيقية لعوائدنا المالية المقوم معظمها بالدولار، بل اصبح علينا ان ندفع ثمن الازمات التي تواجه الاقتصاد الاميركي وندفع جزءا من فاتورة علاجه.

نسوق هذا الكلام بمناسبة قرار دولة الامارات ودول خليجية اخرى بخفض اسعار الفائدة بنصف نقطة تماما، كما فعل بنك الاحتياطي الفدرالي الاميركي.

فالولايات المتحدة اقدمت على خفض اسعار الفائدة لحفز الاقتصاد الاميركي الذي اظهر نوعا من التباطؤ في ادائه، وكان قراره مناسبا من أجل احتواء ازمة الرهن العقاري التي واجهت بعض مؤسسات التمويل هناك، لكن الخفض بالنسبة لنا لم يكن يحمل أي معنى الا (الارتباط الكاثوليكي) بالعملة الاميركية، فخفض الفائدة بالنسبة للعديد من دول الخليج، وعلى رأسها قطر والامارات، يعني تفاقم معدلات التضخم التي سجلت مستويات غير مسبوقة، فوصلت في قطر الى %11 فيما وصلت في الامارات الى حوالي %10، وتفاقم التضخم يعني زيادة الاسعار التي تطال شرورها اصحاب الدخلين المحدود والمتوسط قبل غيرهم.

اضافة الى ذلك، فإن تخفيض سعر الفائدة يعني تقليص قدرة اقتصاداتنا على التحكم بمستويات السيولة المحلية، التي يشكل سعر الفائدة واحدا من اهم الاسلحة التي تستخدمها السلطات النقدية لضبطها وتوجيهها الوجهة التي تتناسب مع مصالحنا واستقرار العمل في مؤسساتنا واسواقنا.

وانخفاض سعر الفائدة سيكون ايضا مصدر اغراء لزيادة معدل الائتمان المصرفي، الامر الذي لا يجعل زيادة التضخم مرتبطة بالتحول المنتظر من الاستثمار في القطاع المصرفي فقط، بل في زيادة الطلب على الائتمان الرخيص نسبيا، فاذا ما اضفنا ان جزءا لابأس به من الائتمان سيذهب لتمويل السلع الاستهلاكية التي زادت اثمانها، فإننا سنجد انفسنا امام حلقة مفرغة من الازمات التي لا تقف حدودها عند النتائج المباشرة، بل تمتد سنوات قادمة، وقد تطيح بما حققته اقتصاداتنا من منجزات خلال السنوات القليلة الماضية.

اننا نعلم ان الارتباط بالدولار له مبرراته، وكانت هذه المبررات مقبولة عندما لم يكن عود اقتصاداتنا قد اشتد بعد، وعندما لم يكن اقتصادنا بمثل هذا التنوع وشبكة علاقاتنا التجارية والاستثمارية بمثل هذا الاتساع، فالقول ان صادراتنا مقومة بالدولار لا يعني بالضرورة الابقاء على نسبة مبالغ بها من الاحتياطيات بالعملة الاميركية، خاصة انها لم تعد العملة الوحيدة في الاسواق العالمية بعد ان اوجد اليورو الاوروبي له مكانه بارزة في خريطة التجارة العالمية.

يضاف الى ذلك، ان مبادلاتنا التجارية امتدت لتشمل عددا كبيرا من دول العالم، مما يعني ان تكلفة الاستيراد تزيد بمعدلات كبيرة قد تقارب ما يمكن ان نتكبده من اعباء لو قررنا فك ارتباط عملاتنا بالعملة الاميركية وربطناها بسلة من العملات الرئيسة.

ومع الاعتراف بأن ارتباط عملاتنا الخليجية بالدولار يساهم في زيادة التدفقات الاستثمارية وتحسين اداء القطاع السياحي، الا ان المحصلة النهائية من خلال نظره شاملة لكل القطاعات تؤكد اننا بحاجة الى مراجعة هذا الارتباط الطويل بالدولار ومعرفة ماذا تحقق لنا من ورائه وما الضريبة التي دفعناها مقابل ذلك.

ان المسألة لم تعد مرتبطة بالسياسة النقدية فقط وبالارقام الصماء المجردة، فالتضخم له تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، واي معالجة لهذه المشكلة النقدية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار هذه التداعيات.

واذا كانت الاسعار والتضخم من بين مظاهر الازمة الناشئة عن الارتباط بالدولار، فإن المظهر الثالث لها يتمثل في تراجع الحماس للوحدة النقدية الخليجية، بعد ان ظهر تباين واضح في السياسات النقدية الخليجية ازاء الكيفية التي يمكن بها مواجهة تراجع اسعار صرف الدولار، وتحمل تبعات الارتباط بالعملة الاميركية، بما في ذلك تطبيق قرارات نقدية اميركية لا تتناسب مع اقتصاداتنا كقرار خفض سعر الفائدة.

*خبير اقتصادي في الإمارات

back to top