هفوة مذيعة أم «بيئة الهفوة» ؟

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 18:50
 نديم قطيش لنضع الأمور في نصابها. الحزن على النائب المقتول غيلة وليد عيدو لم يكن شأناً وطنياً في لبنان، ينطبق هذا الأمر على كل الجرائم منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة.

ما قالته مذيعة القناة التلفزيونية المحسوبة على رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، يتجاوز الموقف والغباء الشخصيين، ويلقي الضوء على موقف فريق في لبنان يتراوح بين الغائم والشامت والمتواطىء والمحرض على تصفية الحالة السياسية الاستقلالية، التي ولدت من رحم اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.

عندما اغتيل جبران تويني، أحد أعلى أصوات الاستقلال الثاني وصاحب قسم الانتفاضة، ثمة من أطلق الرصاص في الهواء ابتهاجاً في حارة حريك. مطلقو النار هم بين جماهير «سيد الخط الأحمر». قبل ذلك رفع هؤلاء انفسهم صورا معدلة لتويني، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والوزير أحمد فتفت والوزير مروان حمادة، تظهرهم بمظهر الحاخامات اليهود. وإذ لا يجدر للتشبيه باليهودي أن يعتبر إهانة بحد ذاته، من موقع احترام معتقدات الآخرين ودياناتهم ورموزهم، إلا أنه بالمعنى السياسي ترميز يريد وضع أصحاب الصور في مصاف الخونة. هذا التصنيف يحمل في طياته دعوة مضمرة للقتل وإهدار الدم، و مالبثت مفخخة التويني أن أثبتت ذلك بمعزل عن المسؤولية المباشرة عن الجريمة، التي يترك الكشف عنها للتحقيق الدولي.

قبل ذلك أيضاً، كانت الشائعات عن سبب اغتيال الصحافي سمير قصير تسابق خبر الاغتيال نفسه. انتشرت في بيئة المذيعة، صاحبة الهفوة، رواية تربط قصير، مرة بعلاقة جنسية وعاطفية بزوجة احد الضباط وأخرى بزوجة زعيم سياسي لبناني. كان يصعب حينها إقناع، بيئة الهفوة، بالدافع السياسي للجريمة، وكان الإصرار على النيل من كرامة الكاتب المغدور أعصى من أن يكسره المنطق.

اغتيال الوزير والنائب بيار الجميل صاحبته رواية أبلغ. اقتتال مسيحي مسيحي قيل حينها. تصفية داخل ابناء الصف الواحد. رواية تنبعث منها رائحة شماتة كريهة بالآخر «المنقسم على ذاته» مقابل الـ «نحن» الموحَدة والموحِدة.

«بيئة الهفوة»، رأت في محاولة اغتيال مي شدياق، عقاباً عادلاً لسيدة كل ذنبها أنها تجيد قول رأيها بصراحة وباعتداد، قد لا نوافقها عليه، لكنه يبقى حقها. «لئيمة وبتستاهل» قيل آنذاك في الغرف المغلقة، وحيث لم تتسن أخطاء تقنية في كشف المستور.

مروان حمادة، الدبلوماسي الهادىء، غيرته محاولة اغتياله. صدمته جريمة اغتيال الحريري. مقتل ابن شقيقته جبران تويني ملأ قلبه قيحاً. تغير مروان حمادة وهذا شأن لا يلام عليه. خسر بعضاً من دبلوماسيته واكتسب بعض قسوة ليست له. «يا ليته قتل» تقول ألسنة «بيئة الهفوة». مراراً سمعتها ولم تنقل إلي. مرة أخرى تفوح رائحة الشماتة الكريهة.

ليست هفوة شخصية إذاً. المسألة أعمق، أخطر من أن تعالج بطرد مذيعة لم تقل إلا ما يتردد على نحو أوسع في «بيئة الهفوة». البيئة التي قيل لها ان «ثمة من يريدكم أن تعودوا ماسحي أحذية» وأن ثمة من يستهدفكم. خافت البيئة، حينها، وصارت تجيد الهفوات.

المسألة أخطر لأن إنجاز القاتل الإرهابي يتجاوز إتقانه للتصفية المافيوية، الى قدرته على تأمين غطاء شعبي للجريمة كلما وقعت، وتحصين الاغتيال بموقف سياسي غائم حيناً ومتواطئ في أحيان كثيرة.

الخطورة أيضاً أن «الهفوة» تنبئ بشبه استحالة المصالحة السياسية في لبنان طالما أن للقاتل شركاء وأصدقاء ومهللين لا ينفكون يفتحون قارورة الشماتة النتنة كلما فتح القاتل قبراً في بيروت.

back to top